خالد سليمانمؤتمر «مناقبيّة القضاء بين القواعد الأساسيّة والتشريع» الذي عقد في فندق كراون بلازا يومي الجمعة والسبت الماضيين، لم يخرج بتوصيات محددة لتعزيز القضاء في لبنان والعالم العربي، رغم أن مداخلات المشاركين طرحت أفكاراً هامة.
رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي غالب غانم دعا في كلمة افتتاحية القضاة إلى تعطيل تدخل السياسين في شؤون القضاء، انطلاقاً من الدستور اللبناني الذي كرّس استقلالية السلطة القضائية في المادة العشرين منه.
القاضي العقاري في الشمال الرئيس أحمد الأيوبي تساءل عن جواز إنشاء كيان قانوني للقضاة في لبنان، معدّداً سمات النظام القضائي اللبناني بأنه «نظام يقوم على التعايش السلمي بين السلطة القضائية والسلطات الأخرى، كما حصل في الفترة الأخيرة، عندما لم يتحرك مجلس القضاء الأعلى الذي قرر مهادنة السلطة السياسية في عدم إصدارها مرسوم التشكيلات». ووصف الأيوبي القضاء اللبناني بأنه «قضاء هرمي فيه مرجعيات قضائية على غرار المرجعيات السياسية. وهناك بعض القضاة يحظون بمناصب قضائية لقربهم من المرجعيات القضائية. كما أن بعض الممارسات تعكس فوقيّة لدى بعض القضاة، حيث لا يسمح للقضاة بالتحدث في الجمعيات العمومية، كما يمارس مجلس القضاء قمعاً أو تقييداً لحرية التجمع». وختم الأيوبي بالقول إن القضاء اللبناني «قضاء جامد وعاجز عن إصدار التشكيلات القضائية وإجراء المحاسبة، إذ يتحدث الناس عن رشى وهدايا لبعض القضاة فيما التفتيش القضائي يصدر بيانات يمنع فيها على القاضي المشاركة في المحاضرات أو الإدلاء بأي تصريح، إلّا بعد إذن منه».
القاضي المصري محمود مكي الذي حوكم في مصر عام 2006 مع زميله المستشار هشام البسطويسي في قضية «نادي القضاة» تحدث في مداخلته عن «التجربة المصرية لتجمعات القضاة» التي انطلقت عام 1939 بإنشاء نادي القضاة. واستعرض مكي المراحل التاريخية لعمل النادي وصراعه مع السلطة الحاكمة، بدءاً من الصدام مع الرئيس جمال عبد الناصر عام 1969، وصولاً إلى الأزمة الحالية مع الرئيس حسني مبارك الذي طلب من نادي القضاة الإشراف على الاستفتاء لتعديل الدستور المصري بجعل الانتخابات الرئاسية مباشرة من الشعب. لكن النادي رفض الإشراف على الانتخابات فأحيل القاضيان البسطويسي ومكي على مجلس تأديبي بسبب موقفهما، وحوكما عليناً فبرّئت ساحة مكي ووجِّه لوم إلى البسطويسي.
في اليوم الثاني للمؤتمر تحدث القاضي الأميركي المتقاعد غريغوري مايلز عن التجربة الأميركية في قوننة مناقبية القضاة التي صدرت عام 1924 عبر مدوّنة مكتوبة خضعت لتعديلات آخرها عام 2007. وكانت مداخلة للقاضي الأردني محمد الطروانة عن التجربة الأردنية في إصلاح التفتيش القضائي. وعرضت للتجربة المغربية عن علاقة القضاء بالسلطات السياسية والإدارية الدكتورة المغربية فريدة بناني، قبل أن يقدم المحامي جورج آصاف مداخلة عن تعزيز استقلالية القضاء في لبنان.


بين الحقّ والقانون

تحدّث رئيس محكمة الدرجة الأولى في المتن القاضي جون القزي في المؤتمر عن مناقبيّة القاضي، منطلقاً من تجربته الشخصية في القضاء اللبناني قائلاً: «أنا لا أفهم القضاء إلّا عادلاً، وهو ليس وظيفة (دوام وراتب...) إنه رسالة وسلطة». مضيفاً، «قد يكون القانون ظالماً وغير عادل. أنا لست مع القانون في حال تعارضه مع الحق والعدالة». وقال القزي إن أحداً لم يقف معه عندما تعرّض للظلم عام 2005، حين شنَّت عليه حرب من بعض السياسيين. «وبعدما تعرضت للظلم، بت أكثر إصراراً على إصدار أحكام عادلة، وأنا لست قاضياً لكل شخص مظلوم، بل أنا أحامي عنه». تحدّث القزي عن تعرضه لضغوط كثيرة خلال عمله قاضياً، مشيراً إلى حديث الناس عن حاله: «أنا لم أستطع أن أشتري لغاية اليوم منزلاً لي وأقيم وعائلتي في منزل أهلي، ولكني لم أيأس قطّ. سنقلق راحة الكثير من المفسدين، وعندما أشعر بالإحباط واليأس سأخرج من القضاء مرفوع الرأس كما دخلته».