أحمد محسنما زالت سارة محمد تناضل منذ ثلاث سنوات لدخول نقابة المحامين. ومثل هذا الأمر لا يحتاج إلى ما يصح وصفه بالنضال عادةً، إلّا أن قصة سارة مختلفة؛ فهي تناضل فعلاً. الاختلاف بينها وبين المحامين الآخرين ليس كبيراً، سارة لبنانية مثلهم، منذ أكثر من عشر سنوات، وقد حصلت على الجنسية اللبنانية عام 1994، أي بعد ولادتها بثمانية عشرة عاماً، وقبل دخولها إلى كلية الحقوق بسنوات عدة. تابعت حياتها وتخرّجت من كلية الحقوق عام 2001، ثم نجحت بتفوّق في امتحان دخول نقابة المحامين في طرابلس لعام 2006. جرت أمورها كما ينبغي، وفازت بالمرتبة التاسعة بين 150 نجحوا في امتحانات الدخول إلى النقابة في الشمال،
لكن على الرغم من نجاحها بتفوّق، رفضت النقابة انضمام سارة اللبنانية إليها. لم تنسَ سارة أن النقابة أجبرتها على توقيع تعهّد، كشرط لخضوعها للامتحان، جاء فيه أنها لن تدخل النقابة ريثما تنتهي قضية الطعن في مرسوم التجنيس. هذا ما وصفه أقرباء لها بالـ«الابتزاز»، كما أنه لا يخلو من التعقيدات، إذ إن قضية المجنّسين في لبنان تأخذ شكلاً سياسياً، بينما لا يعدّ دخول مواطنة لبنانية إلى نقابة، أكثر من إجراء إداري، يُفترض أن يكون روتينياً.
وتقول سارة في هذا الإطار، إنها في كل مرة تذهب فيها إلى النقابة بغية التسجّل، يقابلها المسؤولون هناك بطلب إثبات جنسيتها اللبنانية عبر وزارة الداخلية، مع أنها تملك جميع الوثائق القانونية (الهوية، جواز السفر، وبيان القيد الإفرادي الذي يثبت أنها لبنانية منذ أكثر من عشر سنوات)، وقيل لها في وزارة الداخلية إن الوثائق التي تملكها كافية (مثل أي مواطن لبناني آخر)، ولا توجد أي وثائق أخرى يمكن منحها للمواطن.
اليوم، وبعد ثلاث سنوات من تكرار هذه العملية، تشعر سارة بخطر حقيقي يدهم مستقبلها، ولا سيّما أن ثلاث سنوات أخرى تنتظرها في التدرّج. تصف سارة تصرف النقابة معها بالمتناقض مع حقوق الإنسان في العدل والمساواة، وخاصةً أن هذه المهنة تهدف إلى تثبيت هذه المفاهيم. لو أن سارة درست الطب، أو الهندسة، أو أي مهنة حرة أخرى، لكان بإمكانها الدخول إلى النقابة المعنية فوراً. أكثر من ذلك، فإن المجنّسين يتمكّنون من الحصول على وظائف رسمية، وهم يقترعون ويترشّحون للانتخابات وفاز عدد منهم بمقاعد في البرلمان، ودخل عدد كبير منهم إلى المؤسسات الأمنية والعسكرية. وحدها نقابة المحاماة تنتظر تنفيذ قرار مجلس الشورى المتعلق بطعن الرابطة المارونية بمرسوم التجنيس الصادر عام 1994، وتالياً، قد يطول انتظار سارة.
في حالة سارة، يبرز تشابك القضايا السياسية بالقضايا الحقوقية والإنسانية والإدارية بوضوح، وحالياً، يُشغل السياسيّون بالتحضير للانتخابات النيابية في الربيع الآتي، بينما تقرع سارة أبواب نقابة المحامين، بلا جدوى.


مخيبر: المجنّسون أصحاب حقوق

نفى نقيب المحامين في الشمال أنطوان عيروت، أن يكون لنقابة المحامين أي دور في تأخير انضمام أيّ من الناجحين في امتحان الدخول إلى النقابة، أما بالنسبة إلى قضية سارة محمد والقضايا المماثلة، فرأى عيروت أن المسؤولية لا تقع على النقابة، بل على الجهات المولجة حل قضية الطعن المقدّم في مرسوم التجنيس الذي صدر عام 1994. وللتعرف إلى هذا الطعن، اتصلت «الأخبار» بالنائب غسان مخيبر، الذي وصف طريقة مجلس شورى الدولة في حل القضية بالملتبسة آنذاك (دعوى الرابطة المارونية في 2003)، إلّا أنه ذكّر بوجود لجنة أنشئت في وزارة الداخلية، في عهد الوزير إلياس المر، ترمي إلى دراسة حالات التجنيس، وتمييز الشرعي منها عن غير الشرعي.
ونبّه مخيبر من عدم وجود قرار بوقف تنفيذ مرسوم التجنيس المذكور، أي إن جميع المواطنين اللبنانيين الخاضعين لهذا المرسوم (الحاصلين على الجنسية اللبنانية)، ينبغي أن يحصلوا على جميع حقوقهم القانونية، كأي مواطن لبناني آخر.