أعادت الأكثرية النيابية انتخاب من سمّته «مسبّب المأزق» (الذي منع التصديق على إنشاء المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال رفيق الحريري) رئيساً للمجلس، ووقّع وزير العدل على مذكرة التفاهم من دون الحاجة إلى موافقة اللجنة الوزارية الثلاثية عليها. شو عدا ما بدا؟
عمر نشابة
«الأغلبية في اﻟﻤﺠلس أعربت عن تأييدها للمحكمة واستعدادها للتصديق رسمياً في مجلس النواب على إنشائها إذا ما تمكن من عقد جلسة للمجلس» ذكر رئيس مجلس الوزراء السابق فؤاد السنيورة في رسالة وجّهها الى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في ١٤ أيار ٢٠٠٧، لكن الرسالة تضمّنت أيضاً «المأزق الذي حدث نتيجة رفض رئيس مجلس النواب (نبيه بري) عقد جلسة للمجلس يصدِّق فيها رسمياً على النظم الأساسية للمحكمة وعلى الاتفاق الثنائي مع الأمم المتحدة». رغم ذلك، فقد انتخبت نفس «الأغلبية في المجلس» نبيه برّي رئيساً له وذلك للمرة الخامسة. قد لا يجد المسؤولون في الأمم المتحدة تفسيراً منطقياً، لكن لا شك أن في ذلك إشارة واضحة إلى استعداد «الأغلبية في المجلس» للدخول في تسويات ومساومات. وفي هذا الإطار، تردد في بعض الأوساط أن تراجع الشيخ سعد الحريري عن اتهام سوريا باغتيال والده سمح له بالوصول الى رئاسة مجلس الوزراء. رغم أن أوساط قريطم تؤكد أن الحريري يتكتّم عن تناول التحقيق والاتهام منذ إنشاء المحكمة، فهي وحدها «من يتّهم ويحكم ويدين».

مذكرة التفاهم: لا حاجة للجنة وزارية

سجّل الأول من آذار 2008 انطلاقة خجولة وبطيئة للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، لكن تبيّن اليوم أن الاستمرارية تشكّل الميزة الأبرز في عملها. فبعد قسم يمين القضاة وإطلاق ورشة تجهيز قاعة المحكمة، وبعد الإعلان عن قواعد الإجراءات والأدلة وإدخال السلسلة الأولى من التعديلات عليها، وبعد انعقاد الجلسة الأولى برئاسة قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين الذي قرّر فكّ حجز الضباط الأربعة، جاءت مرحلة التوقيع على مذكرات التفاهم مع الجمهورية اللبنانية والسعي إلى توقيع اتفاقات تعاون بين المحكمة وبعض دول المنطقة. وحدّد في هذا الإطار الرئيس أنطونيو كاسيزي برنامج جولته على لبنان وبعض دول الجوار التي ستنطلق خلال الأسابيع المقبلة.
أما بما يخصّ مذكرة التفاهم مع الجمهورية اللبنانية فقد تمّ التوقيع عليها أخيراً بعدما زالت فجأة المعوّقات التي كانت قد أثيرت في بعض وسائل الإعلام. إذ وقّع وزير العدل إبراهيم نجار والمدّعي العام الدولي دانيال بلمار مذكرة تفاهم ما بين «حكومة الجمهورية اللبنانية ومكتب النائب العام في المحكمة الخاصة من أجل لبنان في ما يتعلق بصيغ التعاون بينهما» في 5 حزيران الفائت. وجاء في مطلع نصّ المذكرة ما ألغى وجوب موافقة مجلس الوزراء عليها وألغى بالتالي وظيفة اللجنة الوزارية التي كانت قد تشكلت لدراستها، وضمت الوزير محمد فنيش والوزير إبراهيم نجار والوزير خالد قباني. إذ إن المذكرة وردت «بناءً على قرار مجلس الأمن رقم 1757 (2007)، وعلى موجبات الحكومة اللبنانية المبيّنة في هذا القرار بالتعاون مع النائب العام في كل مراحل التحقيقات والملاحقات، وعملاً بما تم تدوينه في محضر جلسة مجلس الوزراء رقم (32) تاريخ 24/4/2009 بأنه في ما خص هذا الموضوع والمواضيع الأخرى المتعلقة بالتعاون مع المحكمة الخاصة من أجل لبنان، فإن وزير العدل هو الذي يقوم بالترتيبات اللازمة بشأن مذكرة التفاهم بين حكومة الجمهورية اللبنانية ومكتب النائب العام لدى المحكمة الخاصة من أجل لبنان، وأنه لا حاجة لاستصدار قرار من مجلس الوزراء بهذا الخصوص».
إن تشكيل مجلس الوزراء لجنة ثلاثية لبحثه كانت «مناورة سياسية لاستطلاع مدى استعداد حزب الله الذي مثله فيها الوزير فنيش، للتعاون مع تحقيقات المحكمة» كما شرح مسؤول سياسي في قوى الأكثرية النيابية. ويفترض بالتالي أن يكون قد فهم البعض عدم رغبة الحزب في التعاون بسبب عدم تمكن اللجنة من الوصول إلى توافق حول توقيع المذكرة.
يذكر أن مذكرة التعاون مع مكتب المدعي العام الدولي شبه متطابقة مع مذكرة التعاون مع لجنة التحقيق الدولية التي كانت الحكومة اللبنانية قد وقّعت عليها سابقاً. على أي حال أبرز ما جاء في نص المذكرة: «تؤمّن النيابة العامة التمييزية والممثلة بالنائب العام لدى محكمة التمييز (...) وفقاً للأصول المقررة في القوانين اللبنانية، حصول التنسيق المناسب، بين مكتب النائب العام في المحكمة الخاصة والوزارات اللبنانية ذات الصلة، والمراجع القضائية اللبنانية والمؤسسات الرسمية الأخرى حسب الضرورة». كما ورد في النصّ ضمانات حول «تقديم كل الوثائق والإفادات والمعلومات المادية والأدلة التي هي بحوزة الأجهزة والإدارات والمؤسسات اللبنانية، في القضايا التي لها صلة بتفويض المحكمة الخاصة بأسرع وقت ممكن، وجمع أي معلومات وأدلة إضافية، حسية وتوثيقية. وتسهيل الوصول إلى ما يتطلبه التحقيق من أمكنة ومواقع وأشخاص ومستندات ذات صلة. وتسهيل إجراء الاجتماعات واللقاءات مع أشخاص من شأنها تمكين المكتب من الحصول على المعلومات والأدلة والإفادات، وكل ما يتطلّبه التحقيق من إجراءات وأعمال تساعد على كشف الجريمة، وذلك في بيئة من الأمان والسرية والهدوء». وورد أيضاً في المذكرة وجوب تزويد «مكتب النائب العام اللبناني مكتب النائب العام في المحكمة الخاصة، وذلك من دون أي كلفة، بمكتب مناسب للعمل وذلك ضمن بيئة آمنة، سرية وهادئة ويضمن عدم انتهاك هذا المكان. وتقدم السلطات اللبنانية ذات الصلة أيضاً مواقع بديلة حسب الضرورة وكما هو مطلوب من قبل مكتب النائب العام في المحكمة الخاصة، لإجراء الاستجوابات ولجمع الإفادات التي قد تستلزم تدابير أمنية وسرية خاصة».

ومذكرة تفاهم أخرى أكثر حذراً

وفي 17 حزيران الفائت، وقّع الوزير نجار ومسجّل المحكمة روبن فنسنت أثناء زيارة قام بها إلى بيروت مذكرة تفاهم بين الحكومة اللبنانية والمحكمة الخاصة بشأن مكتبها في لبنان. واللافت في نصها أن بعض الفقرات فيها تضمّنت محاذير نشير إليها في الفقرات التالية. إذ لعل أبرز ما ورد فيها في هذا الإطار أنه «ينبغي على المكتب أن يخطر الحكومة على الفور بأسماء موظفيه. وينبغي على الحكومة إصدار بطاقات تعريف لهؤلاء الموظفين اعترافاً بوضعهم في إطار مذكرة التفاهم. ويعيد المكتب هذه البطاقات إلى الجهة التي أصدرتها فور الرحيل النهائي لهؤلاء الأفراد، أو عندما يكون هؤلاء الأشخاص قد توقفوا عن أداء وظائفهم». (المادة 17) و«1- تضمن الحكومة للأشخاص المشار إليهم في مذكرة التفاهم هذه عدم تقييد حريتهم بالدخول والخروج من أراضيها أو التنقّل داخلها، بما في ذلك منح التأشيرات وتصاريح الدخول والخروج، عند الاقتضاء بالصورة المجانية، وبأسرع ما يمكن» (المادة 5) أضيفت على ذلك فقرة تمنح السلطات اللبنانية صلاحية الاعتراض على دخول بعض الاشخاص الى لبنان إذا تبين للحكومة مساس هؤلاء بالأمن المحلي، إذ جاء في هذه الفقرة «إن الأحكام الواردة في الفقرة 1 أعلاه لا تستثني تقديم الحكومة لاعتراضات موثوقة تتعلق بفرد معيّن. مثل هذه الاعتراضات، على أية حال، يجب أن تتعلق بأمور جرمية خاصة أو أمنية وليس لاعتبارات الجنسية أو الدين أو المهنة أو الانتماء السياسي».
كما أدخلت على المادة 12 من المذكرة الفقرة الثالثة التي تنصّ على «يمنع المكتب من استعمال مبانيه ملجأً من قبل الأشخاص الذين يتجنّبون التوقيف أو الإدارة الصحيحة للعدالة بموجب أي قانون في لبنان». وجاء في نص المذكرة: «تكون للمحكمة الخاصة الأهلية القانونية الكاملة في لبنان. وعلى وجه الخصوص أهلية التعاقد وحيازة الممتلكات المنقولة وغير المنقولة والتصرف بها وحق التقاضي وإبرام اتفاقات مع الدول وفق ما يقتضيه أداؤها لوظائفها. (المادة 3)
أما بما يخصّ الحدود التي وضعت على حصانة موظفي المحكمة في لبنان، اضيفت على المادة 16 النصّّ الآتي «يمنح موظفو مكتب المحكمة الخاصة هذه الامتيازات والحصانات لفائدة المحكمة لا لمنفعتهم الشخصية. ويكون من حق وواجب مسجل المحكمة، التنازل عن الحصانة، في أي حالة بعينها لا ينال فيها هذا التنازل من الغرض الذي منحت لأجله» (الفقرة الثالثة).

رياشي نائباً للرئيس

وكانت المحكمة الخاصة بلبنان قد أعلنت في بيان صدر عنها في 24 حزيران الفائت أن القاضي رالف جاك الرياشي تفرغ للعمل فيها منذ 8 حزيران 2009 بصفة نائب رئيس المحكمة. وقد انتُخب الرياشي نائباً لرئيس المحكمة بإجماع سائر القضاة، وقد أدى اليمين في أوّل يوم لجلسة الهيئة العامة للقضاة التي عُقدت من 9 إلى 20 آذار 2009.
وكان القاضي الرياشي أحد القضاة الأربعة الذين عيّنهم الأمين العام للأمم المتحدة بناءً على توصية قدّمها في كانون الأول 2007 فريق الاختيار الذي كان مسؤولاً عن عقد مقابلات مع المرشحين اللبنانيين والدوليين لمنصب نائب رئيس المحكمة الخاصة وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 1757 (2007). وقد وضع الأمين العام للأمم المتحدة هذا الفريق المكوَّن من القاضي محمد أمين المهدي (مصر) الذي شغل منصب القاضي في المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة من عام 2001 إلى عام 2005، والقاضي إريك موز (النرويج) الذي يشغل حالياً منصب قاضٍ في المحكمة الجنائية الدولية لروندا التي ترأسها من عام 2003 إلى عام 2007 والسيد نكولا ميشال الذي كان حينذاك المستشار القانوني للأمم المتحدة.
قبل تسلّم القاضي الرياشي مهامه في المحكمة الدولية ترأّس الغرفة الجزائية لدى محكمة التمييز من كانون الأول 1995 إلى حزيران 2009.
وقد استهل الرياشي سيرته المهنية في القضاء اللبناني محامياً (من عام 1971 إلى عام 1973). ومن عام 1976 إلى عام 1981، عمل قاضياً مستشاراً لدى هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل اللبنانية. ثم ترأّس المحكمة التجارية في بيروت من عام 1981 إلى عام 1992. ومن عام 1992 إلى عام 1993، شغل منصب محامٍ عام لدى النيابة العامة المالية. كذلك ترأس من عام 1993 إلى عام 1995 محكمة الاستئناف في جبل لبنان. وقد انتُخِب القاضي الرياشي قاضياً في المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة في سنة 2000. إضافةً إلى ذلك، ترأّس المجلس التأديبي للقضاة وكان عضواً في مجلس القضاء الأعلى اللبناني حتى شهر كانون الأول 2008.
وخلال حياته المهنية، عمل القاضي الرياشي أستاذ قانون، ولا سيما مادة الإجراءات الجزائية، في كلية الحقوق في جامعة القديس يوسف، وفي كلية الحقوق في جامعة الروح القدس ـــــ الكسليك وفي معهد القضاء الأعلى. وترأّس جمعية متخرجي كلية الحقوق والعلوم الاقتصادية في جامعة القديس يوسف.


تابت بعد نحو 4 أشهر

بعد مرور نحو أربعة أشهر على انطلاق المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وتولّي دانيال بلمار وظيفة المدّعي العام الدولي، صدر أخيراً مرسوم انتداب قاضٍ يشغل منصب نائبٍ له ويكون من التابعية اللبنانية كما يقتضي نظام المحكمة (المرفق بقرار مجلس الأمن رقم 1757). ولم يفهم تماماً سبب التأخير وخصوصاً أن القرار لم يكن مرهوناً بموافقة مجلس الوزراء. على أيّ حال وقع الاختيار، بحسب المرسوم رقم 2233، على المحامية العامة لدى النيابة العامة لمحكمة التمييز جوسلين فرنسوا تابت بناءً على اقتراح وزير العدل إبراهيم نجار، وبعد موافقة مجلس القضاء الأعلى في جلسته المنعقدة بتاريخ 9 حزيران 2009. وتحتفظ تابت طيلة فترة انتدابها بحقها في التدرّج في ملاكها الأصلي وبحقها في الحصول على حقوقها التقاعدية وتعتبر فترة عملها لدى المحكمة الخاصة فعلية وتبقى وظيفتها شاغرة في هذا الملاك وتعود إليها فور انتهاء انتدابها. وكانت تابت قد تولّت متابعة التنسيق والتعاون بين لجنة التحقيق الدولية والنيابة العامة التمييزية خلال المراحل السابقة.