ملف المجنسين بات من الملفات الشائكة في لبنان، بعضهم يشعر بأنه مواطن من الدرجة الثانية. إعادة النظر الرسمية في هذا المف، تؤدي إلى تأخير كبير في حصولهم على حقوقهم كمواطنين، ويدفعون أموالاً كثيرة لإتمام بعض المعاملات
زينب زعيتر
«إعادة النظر في أحوال المجنسين» تضيف من المعاناة التي تعيشها هذه المجموعة من اللبنانيين، قصصهم كثيرة، ينتظرون شهوراً وسنوات في أروقة الإدارات الرسمية لإتمام معاملات خاصة بهم، وتُفرض عليهم أحياناً رسوم لا تفرض على لبناني آخر.
محمود سعدون، لبناني شمله مرسوم التجنيس الصادر في التسعينيات، وهو يريد حالياً أن تكسب ابنته الجنسية اللبنانية، كما تكتسب ابنة كل لبناني جنسية أبيها.
قبل 8 سنوات، تزوّج محمود للمرة الأولى من سيدة لبنانية و«كان كل شيء يسير على ما يرام، سُجلّ الزواج شرعياً». لكن الأمور بين الزوجين لم تتم على ما يرام، فانفصلا ووقع الطلاق بينهما. قبل أربع سنوات تزوّج محمود للمرة الثانية، الزوجة الجديدة فتاة سورية. يقول «كتبت كتابي في سوريا وجئت إلى لبنان لتثبيت الزواج»، وفي لبنان بدأت القصة في المحكمة الشرعية حيث طُلب منه أن يكتب كتابه على زوجته في بيروت، «نفذّت ما طُلب منّي في المحكمة، وقدّمت الوثيقة إلى وزارة الداخلية لتثبيت الزواج، رُفض التثبيت وحُولّت إلى العدلية بحجّة أنّه يُعاد النظر في أحوال المجنّسين».
في العدلية طُلب من محمود إحضار إخراج قيد خاص به وبزوجته، إضافة إلى وثيقة زواج من سوريا، وفي سوريا طُلب منه تثبيت الزواج في الداخلية اللبنانية، يتابع محمود «قالوا لي في العدلية يجب أن تنتظر فهذا النوع من القضايا يخضع لملفات أوقف النظر فيها». مضت ثلاثة أعوام على زواج محمود ولم يكن قد حصل بعد على وثيقة تثبيت زواجه، لا من سوريا ولا من لبنان. رُزق الزوجان بطفلة، وهي منذ الولادة لم تحصل على حقوقها كمواطنة، يروي محمود «حصلنا على وثيقة ولادة باسم الطفلة فقط، بعدما عانينا الأمرّين لتقبل أحد المستشفيات أن تولّد زوجتي، فلا ضمان لدينا».
أخيراً، حُوّل محمود من العدلية إلى وزارة الداخلية، «ذهبت إلى مكتب يُسمّى رئاسة المصلحة، أخذوا منّي الملف الذي كان بحوزتي ويتضمن أوراقاً، منها وثيقة ولادة ابنتي، وقالوا لي هناك إنّ هذه الأوراق ستُسلّم إلى لجنة إعادة النظر في وزارة الداخلية للبحث، وسيعيدونها مجدداً إلى العدلية». قيل لمحمود ارجع بعد شهر للاستفسار، ويروي «قال لي أحدهم هناك قضيتك ستطول».
يعمل محمود سائق تاكسي «بهوية لابنتي، وإذا أرادوا أن يسحبوا منّي الجنسية فليسحبوها، وبالنسبة لزوجتي فلا أطلب لها الجنسية اللبنانية».
لا يجوز أن يُحرم المجنس من حقّه في الحصول على أوراقه الرسمية
حاولت «الأخبار» الاستفسار عن قضية محمود، وما يعانيه مجنسون آخرون، فوجهت السؤال إلى وزارة الداخلية والبلديات ــــ مديرية الأحوال الشخصية، عن سبب التأخر في بت ملفاتهم، وجاء الردّ بأنّه «لا تأخير»! لكن المعنيين يضيفون بأنه «إذا وقع التأخير فإن ذلك يعود إلى القرارات القضائية»، في الرد الذي تلقته «الأخبار» ورد «أن كل المعاملات الإدارية الخاصة بالمجنسين التي لا تستوجب قرارات قضائية تنفذ وفقاً للأصول القانونية وكأي شخص لبناني، وبالتالي لا تأخير في بت المعاملات الإدارية. وإن الأحكام القضائية التي تصدر عن المحاكم المدنية تنفّذها المديرية العامة للأحوال الشخصية».
أما بالنسبة إلى لجنة إعادة النظر التي ذكرها محمود سعدون، فهي لجنة تألّفت بالقرار الرقم 423/1 تاريخ 28/4/2010 الصادر عن وزير الداخلية والبلديات، وقد أحالت الملفات الواردة من المحاكم المدنية إلى التحقيق للتثبت من صحتها، وستتابع وتُنجز ضمن فترة زمنية محددة يأمل المعنيون أن تكون قصيرة.
جاء في رد الوزارة أن مسألة إعادة النظر في أحوال المجنسين ترد من المحاكم المدنية عند تقدّم المجنس بطلب تسجيل أولاده، وهي ترد كقرارات إعدادية لمعرفة مدى صحة وقانونية المستندات المقدمة للحصول على الجنسية اللبنانية. بحسب الوزارة فإنّ محمود إذا مرت سنة على تاريخ الولادة ولم يسجّل ابنته، فهو بالتالي في حاجة إلى قرار صادر عن المحكمة، ثم تعمد الوزارة إلى تنفيذها. لكن محمود في المقابل يحكي عن رحلات لا تنتهي بين المحاكم المدنية ووزارة الداخلية.
التأخير في بتّ المعاملات الإدراية الخاصة بالمجنسين، هو أمر مخالف لقرارات مجلس الشورى، هذا ما أكّده وزير الداخلية الأسبق بشارة مرهج لـ«الأخبار». يقول مرهج «إذا لم يثبت أي حكم أو مخالفة قام بها المجنّس لا يجوز التعاطي معه وكأنّه مجرم ويُحرم من حقّه في الحصول على الأوراق الرسمية الخاصة به». يرى مرهج أن ما يعانيه المجنسون في الإدارات «مخالف لروح مرسوم التجنيس وشرعة حقوق الإنسان»، ويتساءل مرهج عن «سبب التأخيرات، هل هي قناعات سياسية أم حسابات ضيقّة؟».
يلفت مرهج إلى أنه «نُفِّذ مرسوم التجنيس، لكن عملية التنفيذ تركت بعض الآثار السلبية بالنسبة لبعض العائلات»، منذ عام 1994 لم يُستوعَب بعض الأخطاء الشائكة في المرسوم، وبقيت على ما هي عليه. تشمل هذه الأخطاء الأمور الإدارية بالنسبة لمعاملات المجنسين من جوازات سفر وتثبيت زواج وإعطاء الجنسية للأولاد».
يتحدّث مرهج عن أخطاء من نوع آخر أيضاً «هناك ثغر في الناحية القانونية في ما يختص بموضوع المجنسين، فقد جُنّس بعض الأشخاص دون أن يستحقوا نيل الجنسية، ولوحق حينها الفاعلون وعوقبوا».
لكن هذه الأخطاء لا تبرر عملية إعادة النظر بملفات جميع المجنسين، ويقترح مرهج «أن تقوم السلطات المختصة بعملية فرز، وأن يكون وزير الداخلية المعني الأول بهذا الملف، ولتصحح الملفات الخاصة ممن تشوب ملفاتهم أخطاء».
قضية محمود سعدون ليست فريدة، فلأحمد موزي أيضاً قصة. تزوج أحمد من الأردنية مي المناطرة قبل20 عاماً، ولغاية اليوم لم يحصل على طلب تجنيس لزوجته من مأمور النفوس ليتقدّم به أمام وزارة الداخلية ويحصل بالتالي على حق يوازي كل اللبنانيين الذين يتزوجون من نساء أجنبيات، فتحصل الزوجة الأجنبية على الجنسية اللبنانية. بدأت الحكاية قبل ثلاث سنوات عندما توجّه أحمد إلى مأمور النفوس في النبطية وطلب منه طلب تجنيس لزوجته، فقال له «المجنّس لا يجنّس زوجته، فأنت لست لبنانياً أصيلاً». يقول «بناءً على معرفتي، مرسوم التجنيس يخوّلني الحصول على كامل حقوقي مثل بقية اللبنانيين، ولكنني منذ عام 1990 ولغاية اليوم ما زلت كل عام أستحصل على إجازة عمل وإقامة لزوجتي وتصل التكلفة المادية إلى 3 ملايين ليرة لبنانية».
بعث أحمد برسالة إلى رئيس الجمهورية، ومجلس النواب، ووزير العدل، ووزير الداخلية قبل ثلاث سنوات، ليعلمهم عن الحالة التي هو عليها «لم يرد عليّ أحد، حاولت أن أستعين بالقضاء لكنّ عدداً كبيراً من المحامين نصحني بأن لا أتقدّم بدعوى، لأنّ القضاء لن يعطيني حقّي في الحصول على الجنسية لزوجتي».


استمرار الفرز... وتأخير في المعاملات

أنجزت وزارة الداخلية والبلديات في السنتين المنصرمتين فرز الملفات العالقة منذ عام 2003 والتدقيق فيها، مستكملة ما كان قد بدأه الوزيران الياس المر وسليمان فرنجية على هذا المستوى. ولهذه الغاية، استحصلت الوزارة على هبة عينية تقدّر قيمتها بحوالى 80 ألف دولار، وافق عليها مجلس الوزراء، سمحت بتخطي النقص في العنصر البشري وفي التجهيز على مستوى الإدارة.
في ضوء الفرز الأولي، أعدّ الوزير زياد بارود مشروعاً يتضمن الدفعة الأولى من أسماء الأشخاص غير المستحقي الجنسية (من محكومين ومزوّرين) وأودع أصولاً المديرية العامة لرئاسة مجلس الوزراء ليصار إلى استكماله. وتستمر المديرية العامة للأحوال الشخصية في عملية الفرز والتدقيق، والمفروض بحسب مرهج حسم الموضوع «كل من هو ليس مطروحاً للمساءلة يجب عدم التأخير في استكمال معاملاته، فهذا مخالف للقانون». وإلا فليحصل كل مجنّس لا تُستكمل أوراقه المطلوبة على ورقة رسمية تفيده بسبب التأخير، «فلا يجوز لأي شخص في الدولة أن يتصرف على هواه ويسبب ضرراً لمصالح الناس».