عندما كان السيد م.ر يتلقى علاجاً مزمناً لمرضٍ أصابه منذ ٧ سنوات، ظل متجاوباً مع نصائح الأطباء وملتزماً الأدوية الموصوفة، ومستمراً بمسار حياته بشكل طبيعي. ذات صباح، وخلال تصفحه الجريدة عَلِم السيد م.ر أن ما يتناوله من دواء ما هو إلا علاج للسرطان، فانهارت معنوياته وخارت قواه وفارق الحياة خلال أسابيع.
في بداية الـ ٤١ من عمرها، تم تشخيص السيدة ل.ج، أم لولدين، بسرطان الثدي. أصرّت هي وعائلتها على معرفة التشخيص والمشاركة في خطط العلاج وما يترتب عليها من عوارض جانبية وآثار جسدية ونفسية. أحاطت نفسها بالكثير من التفاؤل، والدعم العائلي، والحب، وتمضية وقت مميز مع طفليها، والهدوء الداخلي وانتصرت بهم كلهم على السرطان.
يخطف السرطان سنوياً حيوات ما يقارب ٩ ملايين شخص في العالم، ويتسلل الى صحة حوالى ١٤ مليون شخص جدد. منهم من يبتلعه الموت سريعاً، ومنهم من يصطف في مسالك العلاجات المتشعبة والفعّالة أحياناً والمتأخرة وغير المجدية أحياناً أخرى. ولكن في كل الأحوال يواجه المريض والعائلة والجسم الطبي أسئلة محيرة وأوضاعاً محرجة ومعقدة.
هل نخبر المريض عن حالته؟ هل نشركه في تفاصيل العلاج؟ متى ومن يبدأ نقاش استفحال المرض ونهاية الحياة؟ ماذا يفعل الطب عندما يعجز عن إنقاذ الحياة؟
في مناقشة بحثية حديثة لطلاب كلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت المركز الطبي عن آراء ومواقف المعنيين بالقوانين والأخلاقيات والعلاجات لمرضى السرطان، تبين أن هناك مَيل متزايد لإخبار المريض عن حالته بالطريقة العلمية واللغوية والنفسية الملائمة - بالتعاون والتنسيق - مع العائلة. عام ١٩٩٨، وفي دراسة من الجامعة الأميركية، كان هناك ٥٣٪؜ من الأطباء لا يخبرون مريض السرطان عن حالته. عام ٢٠١٥ أشارت دراسة من الجامعتين اللبنانية واليسوعية الى رغبة ٨٣٪؜ من الأطباء إخبار المريض. ظهر ذلك أيضاً في أكثر من دراسة تربط بين إخبار المريض وأثره الإيجابي على صيرورة العلاج، ومصلحة المريض وتفهمه وتعاونه وتدبير حياته.
ليس بالأمر السهل أن تنظر في عينيّ المريض وتخبره بإصابته بالسرطان في مجتمع ما زال بعضه يمارس الخوف والنكران من السرطان مطلقاً عليه "هيداك المرض". ويختلف الأمر بين المجتمعات وحتى داخل المجتمع الواحد، حيث يبدو إخبار المريض مسألة عادية في بعض البلدان الأوروبية والغربية، بينما يتعذر ذلك في بلدان الشرق الأوسط وتركيا واليابان، ومرد ذلك لعوامل ثقافية وموروثات اجتماعية ولطبيعة النُظم الصحية القائمة.
لا تتعلق مسألة الإخبار (الإفصاح) بمقدم الرعاية ومواقف المريض وعائلته فقط، بل تتعمق ليغوص فيها الأخلاقي والقانوني والسياسي الصح/اجتماعي. فبين حق المريض بالمعرفة وبين عدالة التعامل في الصحة وبين فعل الخير ومنع الضرر، تصول وتجول نقاشات ودراسات لن تجتمع على "وصفة واحدة"، لكنها ترى في مبدأ الإخبار ومواجهة مخاوف المريض والأهل وشبكة التعاون والدعم، أمراً أساسياً في مسار مرضى السرطان. من ناحية أخرى، هناك استثناءان يبرران عدم الإخبار؛ الأول إذا رأى الطبيب أن مضار الأخبار أعلى من حسناته (رغبة المريض بالانتحار بعد سماعه الخبر) وهذا ما يسمى "المصلحة العلاجية"، والثاني عندما يطلب المريض عدم رغبته بالإخبار، وهنا يجب احترام حق المريض ورغبته بذلك.
بين سنة وأخرى، ترتفع معدلات الإصابة بالسرطان في لبنان والعالم وترتفع معها معدلات معاناة المرضى وآلام وأحزان أحبائهم، وأعباء اقتصادية ومالية قاسية على الأهل والدولة.
المطلوب إنتاج ثقافة مواكبة ومؤازرة عائلية ومجتمعية، والعمل على موارد ومهارات تقارب برصانة وتحسس محطات هامة في حياة مرضى السرطان وعائلاتهم، كالإخبار، جدوى العلاج، التدخلات الطبية المتقدمة، البقاء في المستشفى أو المنزل، هذا ما يجري العمل عليه في لبنان (الجامعة الأميركية المركز الطبي) وبعض الدول الأوروبية.
يُنسب الى سليمان الحكيم قول: "هناك وقت للحب ووقت للموت، وعندما ينتهي الدرب، آمل أن أواجه النهاية بهدوء وعلى طريقتي". هنا الخيار بين المحاربة لكسب بعض الوقت أو المحاربة لقضاء أفضل الوقت.
* اختصاصي جراحة نسائية
وتوليد وصحة جنسية