د. حسين اسماعيل *زهراء بيضون **
واحد من أصل 4 لبنانيين يعيش عند خطّ الفقر.
ليست تلك النتيجة اكتشافاً في الدراسة التي أجراها البنك الدولي وإدارة الإحصاء المركزي في لبنان، فالفقر لا يحتاج، هنا، إلى إثباتات بالأرقام. اللبنانيون فقراء في كل شيء، بلا إحصاءات. في لقمة عيشهم التي بالكاد يحصلونها. لكن، هل سأل أحدكم عما يمكن أن يجلبه هذا الوضع الاقتصادي المتردي من ويلاتٍ على الصحّة؟ بدقّة أكثر، هل سألتهم مثلاً عن حال القلب في "عيشة" الفقر؟

ستجدون الإجابة عن هذا السؤال في الدراسة التي أجريت مؤخراً في الجامعة الأميركية في بيروت حول "شرايين القلب" (الباحثة زهراء بيضون والأطباء هاني تميم وجورج صقر وسوسن عبد الرحيم وحسين اسماعيل). فقد أظهرت تلك الدراسة، التي شملت 500 مواطن لبناني بالغ جرى اختيارهم بطريقة عشوائية من منطقة بيروت الكبرى في عام 2015، أنّ شرايين قلب اللبناني الفقير تفقد عمرها قبل حوالى ثماني سنوات مقارنة بحال شرايين اللبناني الغني!

الفقير معرّض
للإصابة بالسكري أربع مرات أكثر من الغني


هكذا، يولّد الفقر الاختلاف ما بين اللبناني "اللي ع قدّ حالو" والآخر الغني في الصحّة هذه المرّة. فرغم أنّ التقدّم الطبّي أدى إلى خفض معدّل الوفيات من أمراض القلب الوعائية بنسبة تصل إلى حدود 50%، إلا أن هذه "التحسينات" لم تشمل جميع فئات المجتمع، إذ لا تزال نسب الإصابة والوفيات بأمراض القلب تتفاوت تبعاً للحالة الاجتماعية والاقتصادية. وقد ثبت هذا "الارتباط" منذ عشرات السنين في دولٍ عدّة، على رأسها الولايات المتحدة الأميركية، إذ أن الفقير معرض أكثر للإصابة بالأمراض المزمنة، كأمراض شرايين القلب والسكري والضعط والسرطان، واحتمال موته أعلى بكثير مما هو لدى الغني.
بالعودة إلى الدراسة التي صدرت نتائجها أخيراً، ثمة ما يشير إلى أنّ الفقير معرّض أيضاً للإصابة بالضغط والسمنة مرتين أعلى مقارنة بالغني، وأربع مرّات بالسكري. هذه الدراسة أتت لتثبت نتائج دراسات أخرى أجريت في لبنان قبل وقتٍ سابق، وأظهرت أن أمراض القلب ترتبط أيضاً بالوضع الاقتصادي، حيث أن خطر الإصابة بأمراض شرايين القلب أعلى عند ذوي الدخل المنخفض. إلى ذلك، تُضاف نتائج أخرى، منها أنّ الأشخاص ذوي المستوى التعليمي الأدنى (مستوى أقل من المرحلة التعليمية المتوسطة) معرّضون لخطر الإصابة بأمراض شرايين القلب أكثر بثلاثة أضعاف مقارنة بالأشخاص ذوي المستوى التعليمي الأعلى. وكلّما تحسّن الوضع التعليمي، كلّما تحسّنت صحة هذا القلب، والمخاطر تنخفض مع زيادة التعليم.
أما، ما هي الأسباب التي تجعل قلب الفقير يتعب مبكراً؟ تشير الدراسة إلى أنّ هناك عدداً من الأسباب التي تفسّر هذا التدهور في صحة القلب والأوعية الدموية عند الفقراء. ولعلّ النظام الغذائي وعاداته ونمط الحياة مثل التدخين والسمنة هي أبرزها، يضاف إليها الضغوطات المعيشية. وفي تفصيلٍ لتلك الأسباب، أظهرت الدراسة أن نسبة التدخين والسمنة أعلى لدى ذوي الدخل المنخفض، مقارنة بطبقة الدخل المرتفع.
وإذا ما أخذنا بالاعتبار ما هو معروف عن بلدان منطقة الشرق الأوسط لجهة أنّ أمراض شرايين القلب هي أكثر شيوعاً لدى الفئة ذات الأعمار المتوسطة، أي الفئة المنتجة، يصبح الفرد الفقير المنتمي إلى الفئة العمرية المتوسطة العاملة الأكثر عرضة لأمراض شرايين القلب. من هنا، تتكون نظرية العلاقة "المشبوهة" ما بين الفقر وأمراض القلب، بحيث أن الأول يسبّب الثاني والثاني يزيد من الأول. كل هذا يؤكّد أهمية معالجة هذه الأمراض من خلال تحسين الأنظمة الصحية وتطوير العلاجات الفعّالة قليلة التكلفة، إضافة إلى تعزيز حملات التوعية الصحية، وألا تبقى "مناسباتية".
غير أن المشكلة في لبنان تكمن في أن ما يقرب من نصف السكان ليس لديهم تأمين صحّي رسمي، أضف إلى ذلك أن "تغطية" وزارة الصحة العامة لا تشمل في غالب الأحيان إلا الرعاية في المستشفيات والعلاجات باهظة الثمن. لذا، من الواجب الإضاءة على تجربة وزارة الصحة الحديثة بدعم المستوصفات التي تعنى بالأمراض المزمنة كأمراض شرايين القلب والسكري وارتفاع ضغط الدم، إلا أن مفتاح الحل للفقراء في لبنان يبقى في تحقيق مشروع التغطية الصحية الشاملة.
تجدر الإشارة إلى أن دراسة سابقة أُجريت في الجامعة الأميركية في بيروت، أيضاً، وأظهرت أن شرايين القلب "اللبنانية" تتدهور قبل سبع سنوات، مقارنة بحال شرايين القلوب الأوروبية.

* طبيب قلب وشرايين في الجامعة الأميركية في بيروت
** باحثة في كلية العلوم الصحية في الجامعة الأميركية في بيروت

* للمشاركة في صفحة «صحة» التواصل عبر البريد الإلكتروني: [email protected]