محمد محسن
ألفا ليرة هو ثمن ليتر ونصف من شراب السوس. يبدو السعر خيالياً، قياساً إلى المجهود الذي يستلزمه تحضير الشراب الأسود، وخصوصاً أنّ محلات العصير التي تقدّم هذا المشروب تناقصت إلى حدٍّ كبير.
احتلّ شراب السوس طوال العقود الماضية موائد الإفطار الرمضانية في بيروت ودمشق ونابلس، وكان شراباً محبباً إلى الصائمين، يشترونه مع عدّة إفطارهم اليومية. لكن مذاق السوس كجزء أساسي من مائدة رمضان لم يستمر طويلاً، فقد تناقص عدد الذين يشتهونه. لا ينطلق الحكم بتناقصهم من إحصاءٍ رقمي، بل من رصد لتضاؤل عدد «السّواسين»، وانحصار موسم بيعهم للسوس بشهر رمضان فقط، بالإضافة إلى «انقراض» بائعيه المتجوّلين، الذين كانوا جزءاً من المشهد المديني، ليصبحوا تحفةً تراثيّة تُعرض في متاحف الشمع وأسواق البراغيث.
يشهد خبراء في صناعة العصائر أن عصير السوس يختلف عن عصير الفاكهة، فتحضيره يستلزم وقتاً ومجهوداً طويلين لا يثمران بغياب «الخبرة والنفس الطويل». غير أنّ الأمر مختلف في بعض المحلات، التي أصبحت تستعمل بودرة السوس بدلاً من عرقه المقطوف من الأرض، الأمر الذي يفقد هذا الشراب خصوصيةً صحيّة هامة، وهي خلوّه من السكّر العادي. يشرح بائع عتيق الخطوات التقليدية لصناعة الشراب: تبدأ بطحن عشبة السوس، وبعد ترطيبها وتخميرها توضع في أكياس قماشية، ويصب عليها الماء ليسيل الشراب منها إلى وعاءٍ كبير. يؤكد البائع أّنّ «النفس والخبرة يلعبان دورهما في العمليّة»، ويشير إلى أماكن انتشار عشبة السوس: على محيط البحر المتوسط.
بالعودة إلى المائدة الرمضانية، فقد تراجع حضور السوس عليها بشكلٍ ملحوظ، واحتلت المشروبات الغازية مكانها بحجّة أنّها مرطبات، فيما يصلح إطلاق هذا اللقب على السوس والتمر الهندي وسائر المشروبات المستخلصة من مواد طبيعيّة بدل إطلاقه على المشروبات الغازية التي تضرّ الجسم بدل أن «ترطّبه».
يصعب القول إنّ العامل الاقتصادي هو سبب تبديل السوس بالمشروب الغازي، فالسعر متقارب إن لم يكن واحداً. يردّ البعض السبب إلى مرارة السوس في جرعته الأولى. يلقى هذا التبرير ردّاً من شاربيه، الذين ينصحون، للتلذذ بطعمه، بضرورة تكرار تذوقه. فهو «يحتاج إلى التعوّد عليه». يطول الجدل وتدخل فيه عوامل خارجية، كالتحوّل نحو ثقافة استهلاك المنتوج الغربي «على علّاته»، وتفضيله على السوس الذي يعكس «ثقافة الوطن».
على المستوى الصحّي، يجمع الكثيرون على فوائد جمّة يحتويها كوب السوس، لا تبدأ بفتح الشهية وتسهيل الهضم، وترطيب الجسم وعلاج الروماتيزم، كما لا تنتهي عند أعتاب إمداده الجسم بالأملاح المعدنية والهورمونات الجنسية.