تعتبر «أوراق العريش» بمثابة صنف من أصناف المؤونة الشتوية البقاعية، لكنها أصبحت اليوم أيضاً، عبارة عن مورد رزق و«قوة داعمة» لأصحاب الكروم في محاولة إنقاذية للعنب الذي انخفض سعر الكيلو منه، العام الماضي، إلى حد وصل إلى 300 ليرة
البقاع ــ رامح حمية
كأنه بات من المفروض على المزارع البقاعي أن يفتش منفرداً عن حلول لمشاكله الزراعية، وخاصة أن الدولة لم تسأل ولم تعالج ولا حتى دفعت تعويضات عن الخسائر التي تعرض لها مزارعو العنب العام الماضي. وقد دفع ذلك عدداً كبيراً منهم إلى اقتلاع دوالي كرومهم بعدما انخفض سعر كيلو العنب «انخفاضاً مريباً»، علماً بأن نوعية العنب لم تختلف عن السنوات الماضية، ما يطرح التساؤلات عن انخفاض سعر الكيلو حتى 300 ليرة، فيما لم يتراجع سعرها عن ألفيْ ليرة في أي سوبر ماركت في لبنان. أما أصحاب كروم العنب الذين أبقوا على دوالي كرومهم، فيحاولون هذا الموسم دعم أسعار العنب بالإفادة من أوراق العريش وبيعها، لعلّها تغطّي كلفة الإنتاج التي تبلغ 400 ليرة للكيلو الواحد، أو توفر مورد رزق لعائلات أوصلتها صعوبة المعيشة إلى حد باتوا ينتظرون فيه موسم النباتات الربيعية لتأمين قوت يومهم الطويل!
يروي مهيب التويني، صاحب أحد الكروم في البقاع، أنّه يعمد وزوجته صباح كل يوم خلال هذه الفترة من السنة وحتى نهاية شهر حزيران إلى قطاف أوراق الدوالي لتوضيبها وبيعها، وذلك «كمحاولة لتأمين رزقنا بعد خروجنا من ركود الشتاء، ودعم سعر كيلو العنب قدر الإمكان»، مشيراً إلى «عدم إمكان قطاف الأوراق بكثرة وعشوائية لأنها تؤثر لاحقاً على العنقود، كما لا يمكن الاعتماد على عمّال لأن نسب الربح عندها تقل». وأكد أن كرمه عبارة عن عشرة دونمات يؤمن حوالى 20 كيلو ورق يومياً وبسعر يراوح بين 2500 و3000 ليرة. فاطمة الديراني (55 عاماً) تجمع ورق العنب من كرم «ضمنته» (استأجرته) بخمسين ألف ليرة للدونم الواحد، واعتبرت أن جمع ورق العنب وبيعه «لم يأت من الفراغ، بل سببه التدني الكبير في سعر كيلو العنب من 2000 ليرة حتى 300 ليرة، علماً بأن كلفة إنتاج كيلو العنب لا تقل عن 400 ليرة: بدنا نعيش، بدنا نطعمي ونربي ولادنا». وتشير الديراني إلى أنها تسعى لقطف الورق بالاتفاق مع صاحب الكرم وقسمة الأرباح «فيفتي فيفتي»، وأنها تبيعه للتجار كل يوم. وعن الكمية التي تجمعها يومياً، أكدت أنها تتراوح بين 8 و10 كيلو وبسعر 2500 للكيلو الواحد. من جهتها، أشارت آمال الدروبي وهي تقطف «ورق العريش» من أحد الكروم في غرب بعلبك، إلى أنها تجمع الورق وتوضبه بطريقة جيدة وتبيعه لزبائن لها في القرى والبلدات البقاعية. وتوضح الدروبي أن ما تقوم به لا يحتاج إلى رأس مال ولا يخضع لضريبة مباشرة أو غير مباشرة، بل يحتاج فقط إلى مجهود جسدي مضنٍ، فـ«أنا أستيقظ خلال هذه الفترة من كل سنة منذ الصباح الباكر لأجني 4 إلى 5 كيلو من ورق العريش، ما يؤمن لي ولعائلتي مصروفنا اليومي فقط».
بدوره، يشرح ضاهر الديراني، صاحب كونسروة قصرنبا، أنّه خلال هذه الفترة يستقبل المئات من أهالي المنطقة الذين يقطفون ورق العنب بقصد بيعه، مشيراً إلى أن بعضهم أصحاب كروم وبعضهم الآخر عائلات فقيرة. وأكد أنه يجمع ما يقارب 60 طنّاً من ورق العنب ويوضبه ويبيعه في الأسواق اللبنانية. ويرى الديراني أن أصحاب الكروم الذين أبقوا على دوالي العنب، أجبرتهم الخسائر المتلاحقة إلى الاعتماد على جمع ورق العنب وبيعه بعدما كانوا يسمحون للنسوة بدخول كرومهم والإفادة من الورق دون مقابل. وأضاف الديراني أن ما يقوم به مزارع العنب عبارة عن محاولة مستبسلة منه لإيجاد حل قد يوفر له تصريف الإنتاج بأقل خسائر ممكنة، وإلا فلا بديل عن اقتلاع دواليه. ولفت إلى أن الخسائر يتكبدها المزارع منذ حرب تموز، والدولة حتى اليوم لم تسأل أو حتى تحاسب، مستغرباً كيف أن عنب قصرنبا المشهور بميزاته قد تدنى مستواه إلى أن وصل سعر كيلو العنب إلى 300 ليرة، متسائلاً: «لماذا لم ينخفض سعره في أي سوبر ماركت عن ألفي ليرة؟».
ولعل الجدير ذكره أن ورق العريش البقاعي بدأ منذ فترة يلقى منافسة شديدة من ورق تشيلي وكاليفورنيا، إذ أكّد عدد من أصحاب الكروم أنّ تجاراً بدأوا باستيراده وطرحه في الأسواق اللبنانية بأسعار منافسة ومرغوبة من بعض المطاعم بالنظر إلى حجم الورقة الكبير التي توفر جهداً في لفه وطبخه.
أمام هذا الواقع، يبقى على الدولة التفكير جدياً في حماية زراعات اشتهر بها البقاع منذ عقود طويلة، والسعي إلى حماية مزارعيها من المنافسة وتأمين أسواق لتصريف إنتاجهم، لا أن تسمح باحتكار التجار واستيراد منتوجات زراعية منافسة.