strong>كمال خلف الطويل *لا حاجة للمرء للجهر بالفم الملآن أنّ هزيمة شاملة ومحقّقة لحقت بالحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة كما عرفناها منذ هزيمة حزيران / يونيو 1967، بل وصل بها الحال الى أن أضحت مطيّة لعدوّها الإسرائيلي، وخادماً مطيعاً لمعاديها التاريخي: المؤسسة الأميركية الحاكمة. أسباب ذلك عديدة. إلا أنّ الذاتي منها لا يقل وزناً عن الموضوعي، وأولها سمتا الارتجال والضعة اللتان غلبتا على الجسم القيادي من «فتح» (التيار المركزي للحركة الوطنية المعاصرة)، ممّا أوقعها وشعبها في مهاوي الخنادق الخطأ والتحالفات الخطأ والقرارات الخطأ، والتجريب والفهلوة، والإدمان على لعبتي البيضة والحجر والثلاث ورقات.
وصل الحال بالنضال الفلسطيني إلى أن تقزّم إلى بلدية كبيرة في الضفة، تخضع للبسطار الإسرائيلي وتعجز عن لجمه عن التوسع الاستيطاني والقمع البوليسي والتضييق المعيشي، بل هي تتحالف معه قمعاً للمقاومة الداخلية، وكأنها التلميذ المتفوق على فيشي الفرنسي وكويزلينغ النرويجي.
رغم ذلك، من الضروري في وقت تراهن فيه زمرة «فتح» الساقطة على قشة إنقاذ لها من سيدها «الإسرائيلي»، ممثلة في اتفاق إطار تبيع وهمه للشعب المنكوب والمعذّب، أن نطرح تصوّراً «للتسوية»، فيما ظروف المنطقة تتسارع في إيقاع لاهث نحو تخوم من صراعات قوة قد تفضي إلى صفقات إقليمية ودولية لها انعكاساتها المرتسمة على المشهد الفلسطيني.
ألخّص مقاربتي في النقاط الآتية:
1ـــ إن الشعب الفلسطيني غير قادر ـــ لا كان ولا الآن ولا في أي حين ـــ على حسم الصراع مع إسرائيل الصهيونية بقدراته الذاتية.
2ـــ إن جهده المقاوم، بالمقابل، أساسي وفاعل، بل محوري في بلورة وضع صامد ثم رادع ثم مستنزف لعدوه الإسرائيلي، يقترب به من حافة الردع المتبادل، كما الحال مع جبهة الشمال.
3ـــ إن بلوغ تلك الحافة، وبالتناغم مع قدرات حلفائه الإقليميين، كفيل بإيصال الخصم إلى طاولة تفاوض حقيقي وجاد، تنعكس عليها حقائق القوة على الأرض، وتؤمّن قدرة قتال بالتفاوض تكمّل القتال بالردع والاستنزاف.
4ـــ لا ينبغي بحال من الأحوال، ومهما بلغت وسائل الغواية من مبلغ، أن يُقفل ملف 1948 «أي حق العودة والتعويض»... هذا أمر لا يمسّه أحد، لا مطهرون ولا سواهم.
5ـــ إن استعادة أراضي 67 بالكامل، بما فيها القدس الشرقية، أمر قابل للإنجاز بالقطع. لا يقل لي أحد إن هناك من الموانع، الثابت منها والمتحرك، ما يجعل ذلك من المحال... السور والمستعمرات والمصادرات والحواجز و...
أعرف المنطقة وأعرف ما جرى ويجري فيها، لكنني بعامر الثقة أقول إنّ كل بوصة من 67 قابلة للاسترداد... السور للإزالة أو اللانزياح إلى الحد... والقدس لأصحابها (مع ترتيبات قوافل عبادة لحائط المبكى)... والمستعمرات للإخلاء أو التفكيك، والمصادرات للاستعادة، والمياه الجوفية لمن فوقها، والسماء لمن تحتها، ونقطة آخر السطر.
6ـــ مقابل ذلك كله، فإن الممكن والمقبول أن تدشّن هدنة طويلة الأمد، على نسق اتفاقية الهدنة عام 49، بين الدولة الفلسطينية وإسرائيل، تشرف عليها لجنة رقابة دولية ومدتها خمسة عشر عاماً.
7ـــ تجري خلال تلك الهدنة عملية فك اقتصادية تامة وشاملة عن إسرائيل، من أول الارتباط الكهربي لآخر الجمارك وتحصيلها.
المراد هو بتر حبل الخلاص وإخراج فلسطين الصغرى من فلك إسرائيل المعاشي، ثم توجيه وجهتها إلى عمقها العربي. سيعني ذلك القضاء على مصالح الكومبرادور الفلسطيني الداخلي، الذي تفوّق على نفسه في السقوط في بئر الخيانة... وبصحبته الكثير من متعاملي «الأنجزة» من «نخب» سقطت على الطريق.
إذاً استعادة 67... وإبقاء ملف 48 مفتوحاً وهدنة بعمر جيل، هي مسارات الممكن والمقبول وطنياً وقومياً ودينياً وإنسانياً في المقبل القريب من الصراع. إحقاق حق العودة سينتظر قدرة أعلى لأمة عربية تحمل مشروعاً نهضوياً توحيدياً.
لحينها، فمتلازمة «الثالوث» في المتناول، شرط ثبات المقاومة عليها قاتلة أو مقتولة.
* كاتب عربي مقيم في الولايات المتحدة