لم يكن «أبو ناصر» ليستطيع فعل ما يفعله لولا أنه يحظى بتغطية المفتي العام ووزير الشؤون الإسلامية
لا يضاهي كثيرون «بو ناصر» في النفوذ، حتى من داخل الأسرة، ولا أحد يثير اهتمام وسائل الإعلام العربية، وتلك الغربية الناطقة بالعربية، بقدْره، وهو يقود عملية تغريب للمجتمع السعودي بلا كوابح، قائمة على قشور الثقافة الغربية لا جوهرها النهضوي، سواءً في الفن أو الصناعة، من خلال الترويج السهْل للحفلات الراقصة. لكن المفارقة هي أن ولي العهد السعودي الذي يسعى لإرضاء الغرب بالإجراءات الانفتاحية تلك، مكروه كثيراً في الغرب نفسه، من الحكومات ومن الرأي العام على السواء، نتيجة تورّطه في جرائم فاضحة أحرجت الغرب الذي يدعم النظام السعودي ويبيعه السلاح، منذ 80 عاماً، أبرزها حرب اليمن وقتل جمال خاشقجي واعتقال وتعذيب المئات من المعارضين السياسيّين. على أن «بو ناصر» لم يكن ليستطيع فعل ما يفعله، لولا أنه يحظى بتغطية رجلَين من عائلته، أساسيَين في مشروع التمهيد لتولّي ابن سلمان المُلك، هما المفتي العام عبد العزيز آل الشيخ، ووزير الشؤون الإسلامية عبد اللطيف آل الشيخ، اللذان صار سكوتهما على ما يجري مدوياً، بالنظر إلى الحملة الواسعة التي شُنّت داخل السعودية وخارجها، على مظاهر الانحراف التي رافقت فعاليات «موسم الرياض»، مِن مِثل تعاطي المخدرات والتحرّش الجنسي. وبعيداً عن الاعتراضات الدينية على إقامة الحفلات في «أرض الحرمَين»، فإن الكثير من الفتيات امتنعْن عن الذهاب إلى الحفلات لخوفهنّ على أنفسهنّ من التحرش. لكن آراء الشبّان والشابات من المشاركين في المهرجانات التي رصدتها وسائل الإعلام كانت مختلفة، وأظهرت وجود تعطّش للموسيقى والترفيه.
نقطة التحوّل في حياة «بو ناصر»، كانت عند تعيينه عام 2018 رئيساً لـ«هيئة الترفيه» بمرتبة وزير بعد استحداثها، إثر إلغاء «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر». كان هدف إلغاء الثانية فتْح الطريق أمام الأولى التي لم يكن بإمكانها أن تباشر عملها في ظلّ المراقبة اللصيقة من قِبَل المطاوعة للسلوك الشخصي للسعوديّين، مِثل نهْر الرجال للصلاة، وإنفاذ قوانين منْع خروج المرأة بلا نقاب وبلا محرم، ومنعها من قيادة السيارة. وبينما أُلغي عدد من تلك القوانين، تكفّل غياب المطاوعة عن الشوارع في التراخي في تطبيق أخرى، كقانون ارتداء النقاب، الذي لا يمكن إلغاؤه علناً. ولذلك، صار بالإمكان رؤية فتيات بلا حجاب وبالملابس العصرية في حفلات الغناء التي أقيمت في «موسم الرياض» الثاني، والذي يتباهى آل الشيخ بأنه جذب أكثر من 8 ملايين زائر، منهم 600 ألف سائح. في البداية، جرت الأمور بهدوء، ولم يشعر كثير من السعوديّين بأنهم مستفَزّون، كما لم يعبّروا عن استيائهم، إلى أن جاء مهرجان «ميدل بيست» الموسيقي بين 16 و19 كانون الأول، ليكشف المدى الكامل للمهمّة الملقاة على عاتق آل الشيخ، ويضعه في مقدّمة مستشاري وليّ العهد، كونه مشرفاً على برنامج واضح لتغيير هوية المجتمع السعودي ما أمكن، وبميزانية مفتوحة، ذلك أن ابن سلمان أدرك أنه لا يتمتّع بأيّ شعبية لدى الحرس القديم سواءً تعلّق الأمر بالأسرة، أو بالمؤسسة الدينية الشريكة لها في مغانم الحكم. وتركي هذا الذي يتقن التسلّق والتملّق، يتمتّع بميزات تؤهّله لتنفيذ تلك المهمّة بصفته رجل أمن أولاً، ثمّ قائداً رياضياً سبق له أن تولّى رئاسة «هيئة الرياضة» التي جاء منها إلى «هيئة الترفيه»، على رغم إخفاقه في تحقيق نجاح يُذكر في الأولى، إذ واجه مشكلة استقطاب رياضيّين عالميّين للترويج لابن سلمان، من أمثال ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو اللذين رفضا لأسباب أخلاقية القيام بذلك، ثمّ بصفته شاعراً غنّى قصائده عددٌ من الفنّانين العرب، ولو «بالقوّة».
هكذا بنى آل الشيخ دولته داخل الدولة السعودية، دائماً بأفكار «سمو سيدي» كما يحلو له أن يسمّي وليّ العهد، متجاهِلاً الملك سلمان إلى حدّ كبير، لزوم الترويج للابن. لكن حملة التغريب لا تخلو من مخاطر الإتيان بنتائج عكسية على وليّ العهد، فالمجتمع السعودي يظلّ أحد أكثر المجتمعات انغلاقاً في العالم، والتقاليد والعادات المتجذّرة لا تتغيّر بقرار في بلد يصل عدد أتباع رجل دين واحد فيه على «تويتر» إلى أكثر من عشرين مليوناً، لا سيما إذا كان عدد كبير من هؤلاء في السجون، إلى جانب الكثير من الناشطين السياسيين والحقوقيين الذين دفعوا غالياً ثمن مطالبتهم بالحرّيات الحقيقية.