أقامت السلطات القطرية سلسلة «دفاعات»متتالية لمنع تحقيق أيّ اختراق، أوّلها حصر حق الترشيح والاقتراع بحَمَلة الجنسية «الأصلية»، ما يستبعد حُكماً كُثراً من أبناء القبائل، وخاصة من بني مرّة، ممّن لم يحصل أجدادهم على الجنسية قبل عام 1932؛ وثانيها طلب موافقات أمنية على الترشيح، ما أتاح استبعاد مرشحين قد يكونون مزعجين مِمّن تتوفّر لديهم الجنسية «الأصلية»، مثل المرشّحة مباركة المري؛ وثالثها اعتماد منطقة السيلية مكاناً لاقتراع غالبية أبناء القبيلة في الدائرة الـ 16، وهي بعيدة نسبياً عن مناطق سكن كثيرين منهم، ورابعها أن المجلس نفسه لا يتمتّع بسلطات كثيرة، ولن تكون له سلطة على السياسات الخارجية والدفاعية والأمنية والاقتصادية والاستثمارية للدولة، إذ تتركّز صلاحيته في إقرار الموازنة وحجب الثقة عن الوزراء، فيما الأمير يستطيع نقض أيّ قرار له بمرسوم.
أقامت السلطات القطرية سلسلة «دفاعات»متتالية لمنع تحقيق أي اختراق
وبالفعل، لم يتطرّق أيّ مرشح خلال الحملة الانتخابية ولا بعد الفوز، مثلاً، إلى السياسة الخارجية لقطر، على رغم انخراط الدولة الخليجية في صراعات خطيرة خارج حدودها، بعضها مسّ حياة المواطنين القطريين بشكل مباشر، كما حصل عندما قاطعت السعودية ومصر والإمارات والبحرين بلادهم، ومنعتهم من زيارتها والطيران فوق أجوائها، وقطعت عنهم المواد الغذائية والطبية، ما اضطرّ السلطات للجوء إلى الأجواء الإيرانية والأسواق الإيرانية والتركية لتوفير بدائل.
حتى البنود التي يمكن اعتبارها إيجابية في قانون الانتخاب، استُخدمت من قِبَل السلطات تعسّفاً، مثل حظر إثارة النزاعات القبلية والطائفية، والذي استُغلّ لمنع وصول معارضين تدعمهم قبائلهم. فالاستقطاب القبَلي كان من سمات هذه الانتخابات، وجميع مَن فازوا بالعضوية، وصلوا من خلال تصويت قبائلهم لهم. وفي عدد من الدوائر، كان المرشحّون جميعهم من قبيلة واحدة. ولو أريد تفعيل هذا البند في القانون، لأُبطلت عضوية كثير من الفائزين، أو لأُبطل ترشيحهم قبل ذلك، تحت عنوان الموافقة الأمنية المطلوبة للمرشح.
وفي مقابل الاحتقان الداخلي الذي يسبّبه تحييد أجزاء من قبائل محدّدة، ولا سيما آل مرة، الذين لم تجد سلطات الدولة حلّاً آخر لهم غير الاستبعاد، خاصة أنهم لعبوا أدواراً لمصلحة أطراف تتصارع مع قطر، كالسعودية والإمارات، حقّقت الدوحة أهدافاً عدّة من خلال الانتخابات، أبرزها تنفيس احتقان سببه عدم وجود عملية ديمقراطية، ما يتيح لها نقل المطالب الداخلية والخارجية من الدعوة إلى إجراء انتخابات في المقام الأول، إلى الحثّ على تحسين الممارسة الانتخابية، وهو أمر مؤجّل حتى الانتخابات المقبلة بعد أربع سنوات. كذلك، فإن الدور المرسوم لمجلس الشورى هو جزء من الترويج للقيادة السياسية داخلياً وخارجياً، لمجرّد أنه صار لقطر برلمان منتخب. لكنّ الهدف الأساسي يبقى الحصول على شرعية انتخابية للقيادة السياسية، من دون عرضها على الانتخاب أو الاستفتاء، وذلك من خلال مصادقة المجلس المنتخَب من الشعب على السياسات العامة للدولة.
الطريف أن الانتخابات تعرّضت لانتقادات مباشرة وغير مباشرة (عبر الذباب الإلكتروني) من قِبَل دول خليجية، إمّا لم تعرف الانتخابات في تاريخها، وإمّا تمارس أشدّ أنواع العنصرية ضدّ شعبها، كالبحرين التي اتّهمت جارتها الخليجية بـ»العنصرية» من خلال استبعاد غير حَمَلة الجنسية «الأصلية» عن التصويت.