مدفوعة بالانعكاسات على سياسات السعودية وعلاقاتها بالولايات المتحدة، لا تزال قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي تتفاعل، تغذيها كمية من التسريبات لا تتوقف عن إخراج المفاجآت من صندوق الرياض الأسود. ذوبت جثة خاشقجي، بعد تقطيعها إرباً، بمادة الأسيد، هذا آخر ما توصل إليه التحقيق التركي، كسيناريو مرجّح، بعد عجز السلطات عن الوصول إلى الجثة. وما يرجح السيناريو أيضاً أن المدعي العام السعودي سعود المعجب، خلال مكوثه الذي دام ثلاثة أيام في إسطنبول، لم يقدم أي معلومات عن «المتعاون المحلي» الذي تسلم الجثة وفق التسريبات السعودية، ولم يفصح للجانب التركي عن مكان الجثة ومصيرها. ونقلت صحيفة «واشنطن بوست»عن مسؤول تركي طلب عدم الكشف عن هويته لحساسية القضية، أن ما باتت ترجحه السلطات هو أن تكون العملية قد تمت إما داخل القنصلية في إسطنبول، أو داخل منزل القنصل محمد العتيبي، القريب من مبنى القنصلية. وأوضح المصدر أن «الأدلة البيولوجية التي تم اكتشافها في حديقة القنصلية تدعم النظرية القائلة بأن جثة خاشقجي تم التخلص منها بالقرب من المكان الذي قتل ومزقت أوصاله فيه». معلومات من شأنها أن تضاعف الاتهامات للسعودية بتضليل التحقيق والتكتم عن المعلومات التي بحوزتها، في محاولة إضافية للتخفيف من وطأة الجريمة. السيناريو الجديد، لا يوقف الغموض الذي سيبقى يلف مصير جثة خاشقجي بعد مرور شهر على اختفائها، خصوصاً أن عدم التعاون السعودي مع التحقيق يعرقل إكمال حلقات الجريمة. فبحسب وسائل الإعلام التركية، لم تسمح السعودية للفريق الأمني الخاص الذي شكّلته مديرية أمن إسطنبول بمشاركة الكلب «ميلو» المتخصص في كشف الجثامين المفقودة، في عملية التفتيش داخل بيت القنصل. «ميلو» الذي اشتهر بكشف الجثامين المفقودة في تركيا بسرعة، تفاعل في اليوم الأول من عمله مع إحدى الخزانات في القنصلية، وهو ما دفع السلطات، وفق التقارير التركية، للبحث في فرضية أن الجثمان وضع في الخزانة المذكورة بشكل مؤقت.
«واشنطن بوست»: نتنياهو يتوسط لولي العهد لدى البيت الأبيض

ومنذ يومين، ومع ظهور الخلاف السعودي التركي حول عدم التعاون في التحقيق، بدا لافتاً تصاعد النبرة التركية الرسمية تجاه الرياض، بموازاة تزايد التصويب المباشر على ولي العهد محمد بن سلمان، في وسائل الإعلام المقربة من «حزب العدالة والتنمية» الحاكم، كمتهم أول في الجريمة. مع ذلك، كررت أنقرة، على لسان وزير العدل عبد الحميد غول، طلبها من الرياض التعاون الوثيق وتقديم الدعم. وقال غول إن بلاده تنتظر إجابة السعوديين على تساؤلاتها «في أقرب وقت ممكن»، لافتاً إلى أن المدعي العام السعودي لم يقدم أي إجابات «على رغم تقديم أسئلة خطية» له. واستبعد قيام النيابة العامة التركية بزيارة إلى السعودية «لأن مسرح الجريمة في تركيا، وأعتقد أن لن يكون صائباً الدخول في مرحلة أخرى قبل الإجابة عن أسئلة تركيا»، مجدداً المطالبة بتسليم السعودية المتهمين إلى تركيا لدعم التحقيقات. وأضاف الوزير التركي أن القضية «باتت عالمية ولا يمكن لأحد التستر عليها أو التهرب من المسؤولية... المجتمع الدولي والرأي العام العالمي، ينتظران بفارغ الصبر كشف تفاصيل الجريمة».
وفيما لم يتضح مضمون الاتصال بين الرئيس التركي ونظيره الأميركي، في شقه المتعلق بالقضية، خرج تسريب آخر أمس لـ«واشنطن بوست»، وسّع تسليط الضوء على تورط ابن سلمان شخصياً. ووفق الصحيفة الأميركية التي كشفت أمس عن توسّط رئيس الوزراء الإسرائيلي لابن سلمان لدى واشنطن، فإن ولي العهد السعودي وصف خاشقجي بـ«الإسلامي الخطير»، أثناء اتصال له بالبيت الأبيض عقب العملية، تواصل فيه مع كل من مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، صهره جاريد كوشنر، ومستشار الأمن القومي جون بولتون. وجرى الاتصال في وقت لم تكن الرياض قد أقرّت بعد بمسؤوليتها عن العملية، فيما ركّز ابن سلمان في حديثه إلى كوشنير وبولتون على الحفاظ على التحالف السعودي الأميركي، متهماً خاشقجي بأنه عضو في جماعة «الإخوان المسلمين». فحوى اتصال ابن سلمان، بدا مسعى لشيطنة خاشقجي وتبرير العملية على أساس أن المتطرفَين كوشنير وبولتون سيقتنعان بقتل «المتشدد» كعمل ضروري وصائب، ما يشجع واشنطن على لفلفة القضية وعدم المحاسبة على تنفيذ الأمير السعودي وعده بتدمير المتطرفين «اليوم وفوراً» كما قال في إحدى خطاباته. وهو يعكس تناقض تصريحات ابن سلمان حول أسفه للحادثة، وتعليقات شقيقه خالد، سفير الرياض لدى واشنطن، بأن انتقادات خاشقجي كانت «دائماً صادقة». لكن المفاجأة غير السارة لابن سلمان كانت رفض بولتون أثناء المكالمة الموافقة على وصف خاشقجي بـ«الإخواني».