يومها، التقط «المحمدان» إشارة تقول إن الظروف مواتية لإرساء معادلات مناسبة في الإقليم، تقطع الطريق على أي منافس لتحالفهما، والاستفراد بالزعامة الإقليمية. زعامة لا بد لتثبيت دعائمها، على أنقاض مشروع «الربيع العربي»، من إقصاء من يشكل تهديداً لتفردها بقرار المنطقة، وبالوكالة الأميركية للهيمنة. وعلى رأس هؤلاء تنظيم «الإخوان المسلمين» وتركيا، فضلاً عن قطر، اللاعبة دور الرافعة المالية والإعلامية والحاضنة للتيارات المنبثقة عن التنظيم. بعد قمة دونالد ترامب في الرياض، بات خطاب «المحمدين» أكثر وضوحاً لقول ما يريدانه للمنطقة. استغل الحليفان معاداة ترامب وفريقه لـ«الإخوان»، والتيارات الإسلامية عموماً، وغسلا أيديهما من دعم الإرهاب في العراق وسوريا، ملقيين بالمسؤولية على الشماعة القطرية، وذلك بهدف عرقلة أي شراكة للدوحة في كعكة الوكالة الأميركية.
ظلّت الرياض وأبو ظبي تشاهدان تمرّد الدوحة على زعامتهما
استعادة كل ذلك خلفية ضرورية لتفسير استمرار الأزمة حتى اليوم، وتفسير لماذا لا فرصة للحديث عن مخرج قريب للصراع. فطالما ظلت أبو ظبي والرياض تشاهدان «تمرد» الدوحة على زعامتهما، ومضيها في التنسيق مع الأتراك، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، ومنح أنقرة موطئ قدم في عقر الدار الخليجي، وكذلك تمتين العلاقة القطرية بالولايات المتحدة بشكلها المستقل عن القرار السعودي ــ الإماراتي، فلا مجال للحديث عن أفق قريب لحل الأزمة. لن يرضى «المحمدان» بنموذج أقل من نموذج البحرين في الخضوع والتبعية. «حسن حظ» القطريين، أو «سوء طالع» الجيران الخليجيين، أن ما تتمتع به إمارتهم من ثروة غازية، يجعلها في موقع أقدر على تحمّل الضغوط من شقيقتها المنامة.
تجربة العام من تفعيل الصراع على ما يسمى «الزعامة السنية» في العالم الإسلامي تقول إن الحرب التي أشعلها «المحمدان» لا تمضي وفق ما اشتهت سفينتهما. الدليل على ذلك عدم القدرة على حسم الولاءات في اليمن، والتراجع الإماراتي في الصومال، وعدم إخضاع كلّ من الكويت وسلطنة عمان بسياسة «البلطجة»، وعدم القدرة على الحد من النفوذ التركي في السودان والقرن الأفريقي، وعدم حسم المعركة في ليبيا. جملة ملفات أثبتت أن قطر ليست وحدها من يقف في الجبهة المستهدفة، وأن المعركة لا تزال في البداية.
التصلب الخليجي أمام المبادرات الفاشلة، ودفاتر الشروط المكدسة على طاولة الرباعي المقاطع لقطر، في موازاة إرهاصات صدام مع تركيا تلوح في الأفق ويعبر عنه الإماراتيون في مواقفهم بصورة أوضح من شريكهم السعودي، كل ذلك يؤكد أن لا شيء في الأفق سوى استمرار المعركة مع احتمال توسعها أكثر فأكثر. ومع صعوبة تحقيق أهداف التحالف السعودي ــ الإماراتي، لا تزال حيثيات المواجهة لصالح الرياض وأبو ظبي، لا سيما على صعيد التوجه الأميركي المناهض لكل التيارات الدينية في الشرق الأوسط، المعتدلة منها والمتشددة. ولا تزال الإمارات الأكثر استفادة من الأزمة، لإبعاد قطر من المنافسة، حيث إن الدوحة تدرك صعوبة منافسة الرياض، لكنها تصرّ على أحقيّتها في لعب دور إقليمي مكان أبو ظبي التي لا تفوقها إمكانيات لوجستية. ومع ذلك، لدى فريق ابن سلمان إيمان بأن المصلحة الراهنة تكمن في السير إلى جانب الإماراتيين والاحتذاء بنموذجهم الأكثر قبولاً أميركياً. يسجل هنا، أيضاً، فشل إماراتي في إقناع الأميركيين بالتخلي عن دعم الدوحة والاعتماد عليها، ويتجلى ذلك في عدم أخذ واشنطن بعد بنصائح نقل قاعدة العديد العسكرية من الأراضي القطرية.