دمشق توقّع البروتوكول معدَّلاً بنصيحة روسيّة والمراقبون يصلون قريباً و«المجلس الوطني» يرفض «المراوغة»

أوحت الصورة الوافدة من القاهرة ومن دمشق، أمس، بأنّ صفحة جديدة من التعاون فتحت بين سوريا والجامعة العربية، بعد توقيع دمشق على نص يتضمن تعديلات سورية على بروتوكول المراقبين العرب
مثلما كان متوقَّعاً، وقّعت سوريا، ظهر أمس، على بروتوكول بعثة مراقبي الجامعة العربية المقرر وصول أولى طلائعها إلى سوريا قريباً جداً. توقيع أُلغي بموجبه اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي كان مقرراً عقده غداً في القاهرة لمناقشة إحالة الملف السوري على مجلس الأمن الدولي تيمّناً بالسلوك الروسي. وقد حصل التوقيع في القاهرة بعدما جرى إدخال تعديلات تطمئن القيادة السورية، بحسب وزير الخارجية السوري وليد المعلم، وهو ما حصل بموجب نصيحة روسية. كذلك بدا واضحاً أن الخطوة العربية لم تأتِ منسَّقة مع «المجلس الوطني السوري» المعارض الذي ندّد بـ«إتاحة الجامعة العربية للنظام السوري مجال التهرّب من مسؤولياته»، وسط ترقب وانتظار من ناحية العواصم العالمية.
وبعد إعلان توقيع نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد ونائب الأمين العام للجامعة العربية أحمد بن حلي، بحضور الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي، بروتوكول المراقبين في القاهرة، أعلن العربي أن طلائع هؤلاء المراقبين ستتوجه إلى دمشق خلال 72 ساعة، «للتحقق من تنفيذ خطة الحل العربي وتوفير الحماية للمواطنين السوريين العزّل»، وهي العبارة التي أخّرت التوقيع السوري قبل أن يُتّفق على تحويل عبارة «المدنيين إلى مواطنين عُزَّل». وأوضح العربي أنه سيجري «خلال يومين أو ثلاثة إيفاد مقدمة من المراقبين برئاسة الأمين العام المساعد للجامعة العربية السفير سمير سيف اليزل وبمشاركة مراقبين أمنيين وقانونيين وإداريين، على أن تتبعها بعثات أخرى تضم كل منها 10 مراقبين متخصصين في حقوق الإنسان والنواحي القانونية والأمنية»، موضحاً أن «مدة البروتوكول شهر واحد قابل للتجديد، وسيتم سريانه اعتباراً من اليوم (أمس)»، بينما كان العرب يريدون أن تكون مدته شهرين قابلين للتجديد. وتابع العربي أنه «خلال أيام لا تتجاوز الأسبوع، سيجري عقد اجتماع موسّع للمعارضة السورية بكافة أطيافها في الجامعة العربية لبلورة موقفها، وسيجري بعد ذلك دعوة الحكومة السورية إلى حوار مع المعارضة».
وفي دمشق، أعلن المعلم، في مؤتمر صحافي، ترحيب بلاده بالمراقبين في سوريا «وطنهم الثاني»، مؤكداً أنه «لو لم تدخل تعديلاتنا على مشروع البروتوكول لم نكن لنوقّع مهما كانت الظروف». وطمأن إلى أن «السيادة السورية أصبحت مصونة في صلب البروتوكول، والتنسيق مع الحكومة السورية سيكون تاماً». وتابع «سنتعامل مع بعثة المراقبين بحرفية وجدية، والتنسيق بيني وبين الأمين العام للجامعة العربية سيكون يومياً»، كاشفاً أن «تقارير بعثة الجامعة سترسل في آن معاً» إلى العربي «ولي أنا، وسنناقشها قبل أي طرف آخر». وتابع «أقول اليوم إن توقيع البروتوكول هو بداية تعاون بيننا وبين جامعة الدول العربية». وعن تفاصيل عمل المراقبين، لفت المعلم إلى أنهم سيذهبون إلى «المناطق الساخنة»، لكن من «المستحيل زيارة أماكن عسكرية حساسة»، بينما كان ردّ العربي على هذه النقطة أن «المراقبين سيقومون بالتحرك في مختلف المناطق السورية». وعن بقية التعديلات، اكتفى المعلم بالإشارة إلى أن المراقبين «يمثّلون الدول العربية»، والبعثة «ستكون بحماية الدولة السورية وبالتنسيق معها، وهي حرة في تحركاتها». ولفت إلى أن «من المفروض أن تُرفع العقوبات (عن سوريا)، لكن نحن نترك الأمر لهم ولحرصهم على الشعب السوري، ونحن لن نستجدي أحداً». وجزم رئيس الدبلوماسية السورية بأنه ليس هناك أي تغيير في موقف روسيا المساند لسوريا، كاشفاً عن أن دمشق وقّعت البروتوكول «بناءً على نصيحة روسيا».
والتطور الإيجابي العربي ـــ السوري لم يمنع المعلم من مهاجمة «بعض العرب» على قاعدة أن «مَن يريد مصلحة الشعب السوري لا يفرض عليه عقوبات اقتصادية ويسعى إلى تدويل الأزمة عبر مجلس الأمن الدولي، وما حدث كشف نوايا بعض العرب». ورداً على سؤال بشأن ما إذا كانت سوريا تسعى إلى إغراق البعثة العربية في التفاصيل لكسب الوقت، أجاب المعلم «إذا كانوا يريدون الغرق في التفاصيل فعليهم أن يتعلموا السباحة»، مع تذكيره بعدم خشية بلاده من تحويل القضية إلى مجلس الأمن، لأن «على الأقل هناك أطرافاً دولية في مجلس الأمن نستطيع التحاور معها».
وعلى صعيد ردود الفعل على التوقيع السوري، رأى رئيس «المجلس الوطني السوري» برهان غليون أن هذا التوقيع «هو مجرد مراوغة سورية لمنع إحالة الملف السوري على مجلس الأمن الدولي». وقال إن «الجامعة العربية أتاحت للنظام السوري التهرب من مسؤولياته»، مطالباً الجامعة العربية بأن «تأخذ مواقف أقوى». أما الإشادة بالخطوة السورية فقد صدرت من موسكو التي رأت أن «الوثيقة الموقّعة في القاهرة تتيح الفرصة لتوفير السلامة للشعب السوري واستقرار الوضع». في المقابل، اقتصر الرد الفرنسي على الإصرار على أن يتمكن المراقبون العرب من القيام «بمهمتهم على الأرض بأسرع وقت». كذلك رحّبت إيران، على لسان نائب وزير خارجيتها أمير عبد الله، بتطور يوم أمس، واصفاً المبادرة العربية بأنها «مقبولة»، وذلك غداة إشارة الرئيس محمود أحمدي نجاد إلى أن تحركات الدول العربية بشأن سوريا «تشبه النكتة، لكون بعض هذه الدول لم تجر أي انتخابات في تاريخها وتطالب بانتخابات في سوريا».
ميدانياً، تزامن التوقيع السوري مع خروج «عشرات الآلاف» من المؤيّدين للأسد في ساحة السبع بحرات بدمشق، بحسب وكالة «سانا». في المقابل، أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» المعارض عن مقتل ستة مدنيين برصاص قوات الأمن السورية في درعا ودير الزور، فضلاً عن الإشارة إلى أن «عشرات من الجنود المنشقين قتلوا بإطلاق النار عليهم لدى فرارهم من مراكزهم في منطقة جبل الزاوية في محافظة إدلب».
(الأخبار، أ ف ب، رويترز، يو بي آي)