رغم مصلحتها البارزة في عدم تصدّر الأحداث في هذه المرحلة التي تمر بها المنطقة العربية، تبادر إسرائيل من فترة إلى أخرى إلى استهداف كوادر من صفوف فصائل المقاومة الفلسطينية، بهدف إبقائها في حالة من الدفاع والردع. وبحكم حضور الظرف السياسي الإقليمي، في خلفية صانع القرار في تل أبيب الذي يجد نفسه ملزماً بمراعاة سقوف محددة من التصعيد، حتى الآن، يبقى للاعتبارات الردعية والأمنية حضورها المقابل الذي يفرض عليه أيضاً عدم الوقوف مكتوف الأيدي إزاء حالة التعاظم التي شهدتها وتشهدها فصائل المقاومة في القطاع، وإزاء ما تشخّصه على أنه خطر داهم رغم الأثمان التي تدرك أنها قد تدفعها. بعد أيام قليلة على تبادل الضربات بين قطاع غزة والجيش الإسرائيلي، أعلن وزير الجبهة الداخلية في الدولة العبرية، متان فيلنائي، انتهاء جولة التصعيد الحالية التي انطلقت في أعقاب اغتيال إسرائيل ناشطين مقاومين في قطاع غزة، معلناً في الوقت نفسه بقاء قوات جيش الاحتلال على حالة الجهوزية والاستعداد.
الرد الصاروخي الفلسطيني على الاعتداءات الإسرائيلية، الذي لم تتمكن كل الحملات العسكرية والضغوط السياسية والاقتصادية من ردعه، حضر بقوة في جلسة الحكومة، ودفع وزير المال يوفال شطاينتس إلى تأكيد ضرورة أن تتّخذ إسرائيل موقفاً ازاء مسألة إطلاق الصواريخ من قطاع غزة عاجلاً أو آجلاً. كذلك تجاوز نائب رئيس الحكومة موشيه يعلون حقيقة أن الصواريخ الفلسطينية أتت رداً على اعتداءات إسرائيلية، ورأى أن إسرائيل «ستكون مضطرة إلى استخدام المزيد من الوسائل لإيقاف القصف»، من دون الإشارة إلى طبيعتها. ومن دون الأخذ في الاعتبار الاعتداءات المتكررة على القطاع، رأى يعلون أنه «ما من دولة بإمكانها القبول بأن تتعرض للقصف»، محمّلاً حركة حماس المسؤولية عن إطلاق الصواريخ حتى لو لم تقم بذلك فعلياً.
وكما هي حال الإعلام الإسرائيلي مع كل اعتداء، واكبت صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية الضربات التي وجّهها الجيش إلى القطاع، بالقول إن حماس أقامت قواعد متقدمة ومنشآت لتصنيع الصواريخ في شبه جزيرة سيناء انطلاقاً من تقدير مفاده أن إسرائيل لن تبادر إلى مهاجمتها داخل الأراضي المصرية، لما لذلك من تداعيات على العلاقات بين البلدين. وأضافت الصحيفة أن إسرائيل دعت السلطات المصرية إلى تعزيز جهودها لإعادة النظام في سيناء ومنع وقوع هجمات، لكنّ المصريين امتنعوا عن تفكيك البنية التحتية للحركة. ولفتت إلى أن تل أبيب سمحت لأكثر من 10 كتائب مصرية بالدخول إلى شبه جزيرة سيناء، بما يخالف الاتفاقات المعقودة بين الطرفين، إلا أن ذلك لم يحل دون وقف العمليات ضد إسرائيل، ودون استمرار تدفق السلاح إلى قطاع غزة. وحذرت الصحيفة أيضاً من أن الأسلحة الأخيرة التي جرى تهريبها إلى قطاع غزة تتضمن أسلحة متطورة كانت في مخازن خاصة بالقوات الليبية، بينها صواريخ روسية تحمل على الكتف. لكنّ مصدراً مصرياً نفى المعلومات.
وأوضحت «جيروزاليم بوست» أن إسرائيل قلقة من أن يستخدم الفلسطينيون سيناء لشنّ هجمات مباشرة ضد إسرائيل في عملية استغلال للحدود الجنوبية المفتوحة. وفي محاولة لتبرير الاعتداء الأخير في القطاع، رأت الصحيفة أنه في الوقت الذي لا يستطيع الجيش فيه التحرك في الأراضي المصرية، يتعيّن عليه وقف الهجمات وهي لا تزال في مرحلة التخطيط عبر ضربات توجّهها في القطاع.
في المقابل، رأت صحيفة «هآرتس» أنه إذا أردنا محاكمة الأمور وفق أقوال رئيس أركان الجيش بني غانتس، فإن الحل هو حملة عسكرية واسعة النطاق، تضمن فترة أخرى من الهدوء، كتلك التي سادت بعد عملية «الرصاص المسكوب». لكنها عادت ولفتت إلى أن الذاكرة القصيرة حجبت الرؤية عن أن هذه العملية الإسرائيلية لم تقضِ على «الإرهاب»، كما أن اغتيال مسؤولين كبار في الجانب الفلسطيني دفع إلى تعيين بدلاء لهم.
ورأت الصحيفة أنه في الوقت الذي تحمّل فيه حكومة إسرائيل حماس المسؤولية، فإنها تحوّل ذلك إلى قناة للحل، مشيرة إلى مفاوضات غير مباشرة بين إسرائيل وحماس، عبر المصريين، بشأن جملة من المواضيع. ورأت في نجاح صفقة شاليط مؤشراً إلى إمكان التوصل إلى اتفاقات موضعية مع حماس، وتحديداً في ما يتعلق بوقف النار، وخاصة أن من مصلحة حماس تهدئة الجبهة.