بدأت مفاعيل التوترة بالظهور: اللاجئون السوريون أولاً. قبل أسبوع، في 5 تشرين الجاري، أطلق الرئيس سعد الحريري عنكبوتياً الموقف الآتي: «علينا أن نقوم بالمزيد للاجئين، لكن هذه الحكومة باتت طرفاً، علينا دفع الأمر باتجاه عمل المجتمع المدني». أخذ فريق المعارضة وقتاً كافياً لاستيعاب ما يحصل في لبنان وفي سوريا وعلى صفحات تويتر. فهموا فكرة دعم اللاجئين الهاربين من الأحداث في سوريا، دروسها، حضّروا لها، وسوّقوها في مجالسهم وبعض المؤسسات الإعلامية.
أنهوا إعداد هذا المشروع بتفاصيله ونفّذوه يوم السبت. لكنهم أغفلوا أمراً واحداً: المجتمع المدني. فالنواب يمثلون قوى سياسية وكذلك أعضاء الأمانة العامة لقوى 14 آذار، ويبقى عميد الكتلة الوطنية كارلوس إده. فهل اعتبروه ممثلاً للمجتمع المدني؟
يجيب أحد المعارضين: «فريق 14 آذار تعبير عن رأي عام، وحركة مدنية لا تملك السلاح ولا تعمل بمنطق السلاح، وبالتالي هي بحد ذاتها جزء من المجتمع المدني وتمثّله». وصلت الفكرة. يمكن تحوير أي موضوع وقذفه باتجاه الهجوم على سلاح حزب الله وحلفائه.
وتماشياً مع وجهة نظر المعارضة، يمكن نقل الخبر الآتي: تحت عنوان «كسر الحصار الإعلامي عن منطقة وادي خالد وللتضامن مع النازحين السوريين»، تفقّد موكب للمجتمع المدني، ضم أكثر من 200 سيارة، نحو ربعها للمرافقين، المنطقة للتضامن مع اللاجئين السوريين. ونتيجة هذا العمل «المدني»، تبيّن للوفد المؤلّف من عشرة نواب معارضين (كان لافتاً غياب نائب طرابلس سامر سعادة!) وعضوين من الأمانة العامة لقوى 14 آذار وثلاثة مسؤولين من القوات اللبنانية، وجود 3500 لاجئ «تعرف الهيئة العليا للإغاثة والأمم المتحدة بوجودهم». يضيفون إنّ هذا الرقم يمكن أن يتضاعف في حال احتساب النازحين الموجودين في منازل أقاربهم: كارثة إنسانية فعلية.
بعيداً عن هذا الواقع الأليم، لا بد من الإشارة إلى مجموعة من الأمور التي رافقت حركة الوفد تجاه اللاجئين السوريين:
أولاً، تناول بحث المعارضين كيفية توجيه قضية اللاجئين إعلامياً، باعتبار أنّها تصيب عصفورين بحجر واحد: النظام في سوريا والحكومة اللبنانية. فمن جهة يمكن الإشارة إلى مأزق الإدارة السورية وممارساتها التي تدفع أهل سوريا إلى ترك أرضهم وبيوتهم والنزوح إلى الحدود والإقامة في خيم ومبانٍ مهجورة. كما يمكن التصويب على «تقصير الحكومة تجاه هؤلاء النازحين، وتعاملها غير الأخلاقي» مع قضيّتهم. وتحديداً، يمكن إحراج الرئيس نجيب ميقاتي في مجتمعه الشمالي.
ثانياً، بتّ قوى 14 آذار بكون سوريا هي الملف الأساسي الذي يسبق على جدول أعمالهم أي موضوع آخر. لذلك عمل المعارضون طوال الأسبوع الفائت على إطفاء كل المعارك الجانبية، فعمل مسؤولون في تيار المستقبل على إخماد معركة دار الإفتاء، وتخلّت القوات اللبنانية عن ملاحظاتها على عمل الحكومة والموازنة و«أداء رئيس الجمهورية والنائب ميشال عون في تعيين اللواء عباس إبراهيم مديراً عاماً للأمن العام» ولاسا وترشيش وأخواتهما.
ثالثاً، التحضير لآلية الدعم الممكن تقديمه للنازحين في حال تخلّف الحكومة عن دعمهم، أو حتى في حال قيامها بهذا الأمر وذلك لـ«زركها» أكثر. ووصل الأمر إلى قول أحد المسؤولين في 14 آذار: «حتى لو اضطر سعد الحريري أو سمير جعجع إلى دفع المال من جيبتهما، علينا التفوّق على الحكومة وتأمين ما يلزم للنازحين».
وأبعد من قضية اللاجئين، ينظر المعارضون إلى التطوّرات الأخيرة في سوريا بما هو أكثر من إيجابية. قبل أشهر، أطلقوا عبارة «خلص» باعتبار أنّ النظام السوري سقط. ومع موقف جامعة الدول العربية من دمشق، باتت «الخلص» أكثر منطقية بالنسبة إلى المعارضين، وباتوا يردّدون: «الأسبوع المقبل لن نزور وادي خالد، سنذهب إلى حمص للاطمئنان إلى أحوال الناس فيها».
نتيجة هذه التطوّرات، يسكر المعارضون من كأس أزمة دمشق، وباتوا يفكرّون بتداعيات «الخلص» ويدركون أنهم منقسمون إلى فريقين: قسم سيخرج من عقاله ويهجم على كل خصومه من دون محرّمات. وقسم سيعمل بعقلانية. «التداعيات هائلة» بحسب بعض المعارضين، ويجب التنبّه لها. هذا الهدوء الذي لا يزال يحافظ عليه فريق 14 آذار لن يفجر قريباً وبقرار مركزي. الخروج من العقال سيكون ميزة عدد من الصقور المعروفين. لكن سيكون على القيادات التعامل مع مواقع وأشخاص لا يمكن «اللعب معها»، منها الرئيس ميشال سليمان وقائد الجيش جان قهوجي. فسليمان برّر الموقف اللبناني في الجامعة العربية باعتبار أنّ لبنان «ضد عزل أي دولة عربية نظراً إلى الأضرار التي يؤديها العزل، يمكن الجامعة أن تأخذ القرارات التي تراها مناسبة، ولكن دون أن تتجه الى إقصاء سوريا، لأن العزل يمكن أن يؤدي الى تدخل خارجي أيضاً». أما قهوجي، فقال من الشمال إن الجيش سيقف بوجه الفتنة «أكانت داخلية أم خارجية، ومهمتنا هي منع استيراد الفتنة وتصديرها». هل عنى قهوجي أنّ وفد المجتمع المدني المعارض كان يحاول تصدير فتنة ما إلى الأراضي السورية؟