على وقع انهيار الهدنة القصيرة بين القوات الموالية للنظام اليمني، وقوات الفرقة أولى مدرع، شيّع المحتجون اليمنيون أمس 30 من الضحايا الذين سقطوا خلال أيام التصعيد الأخيرة التي عاشتها البلاد، في وقتٍ تبدو فيه المعارضة منقسمة على نفسها إزاء الكيفية التي يجب أن تتعامل فيها مع التصعيد العسكري المستجد والموقف من الحراك الإقليمي والدولي تجاه الأزمة المتصاعدة، وسط تحذيرات لها من تكرار الخطأ الذي وقعت فيه في الثامن عشر من شهر آذار الماضي، عندما فشلت في الضغط على النظام إبان مجزرة «يوم الجمعة الدامي» لإجباره على التنحي، تحت وطأة القتلى الـ 52 الذين سقطوا برصاص القوات الأمنية والبلاطجة. ففي ذلك اليوم، انقسم معارضو النظام والمطالبون بإسقاطه إلى قسمين. الأول نادى بضرورة الاستفادة القصوى من الحادث، ووضع صالح بين خيارين لا ثالث لهما، إما التنحي على نحو سلمي أو التنحي بضغط الشارع والخضوع للمحاكمة. أما القسم الآخر فأصرّ على التهدئة، محذراً من انزلاق البلاد إلى أتون الحرب، ولا سيما بعدما أدت الحادثة الى انشقاق قائد الفرقة أولى مدرع، اللواء علي محسن الأحمر، وإعلان العديد من ممثلي القبائل انسلاخهم عن النظام.
وبالفعل، انتصر منادو التهدئة، فدفن ضحايا المجزرة على وقع الوعود بإنشاء لجنة تحقيق فيها وإعلان صالح الحداد على الشهداء، متنصلاً من مسؤولية قتلهم. مضت الأيام، وأثبتت معها أن هذا الخيار كان خاطئاً. فلا مهادنة المعارضة أجبرت صالح على التنحي، ولا التحقيقات أوصلت إلى محاسبة المسؤولين عن المجزرة أو ردعتهم عن تكرارها.
ومنذ ذلك الحين، ظلت الأمور على حالها تدور في حلقة باتت أشبه بالمفرغة. اعتصامات متصاعدة للمحتجين تعم المدن اليمنية، تصرّ على تنحي صالح ولا تأبه بفاتورة الدم المتزايدة. ومعارضة تتردد دوماً وتصرّ، في أغلب الأحيان، على المهادنة، مبديةً انفتاحها على قبول الوساطة الخليجية حيناً، والأممية حيناً آخر، حتى باتت تُتهم بأنها تريد أن تكون الثورة في خدمتها لا هي في خدمة تحقيق أهداف الثورة.
أما النظام فلا يزال يستفيد إلى الحد الأقصى من تردد المعارضة، وغياب الضغط الدولي للتشبث بالحكم والإمعان في عقاب مواطنيه، من دون أن يتردد في ارتكاب مجزرة، كلما أراد إيصال رسالة أو الإفلات من مأزق، على غرار ما حدث خلال الأيام الماضية.
ورغم أن المعارضة خبرت على مدى الأشهر الماضية زيف نية صالح في التوصل إلى تسوية، فإنها لا تزال عاجزة عن اتخاذ موقف موحد من كيفية الخروج من الأزمة، بعدما أكد مصدر مطلع في المعارضة لـ«الأخبار»، أمس، وجود انقسام حاد في الآراء بين قياديي أحزاب اللقاء المشترك. وبعدما أعرب المصدر عن أمله «أن لا تكون الأوضاع في اليمن قد وصلت إلى درجة من السوء الذي يعقبه انفراج، ولا سيما أن اليمنيين باتوا يعيشون تحت رحمة التهديد بالقتل»، تحدث عن وجود تيارين داخل المعارضة.
ووفقاً للمصدر، يصرّ التيار الأول على ضرورة حدوث نقل فوري للسلطة ويرفض التواصل مع المبعوثين الخليجي والأممي، ولذلك عمد بعض قادة المعارضة إلى إقفال خطوطهم الهاتفية لقطع أي فرصة أمام الموفدين للتواصل معهم. وينطلق هذا التيار في موقفه من أن المبادرة الخليجية قد مضى على طرحها أكثر من خمسة أشهر، وأن المطلوب ليس سوى توقيعها وتنفيذها من قبل الرئيس اليمني، الذي يعمد في كل مرة إلى تعطيل جديد لها. وبالتالي، فإن أي حوار أو تفاوض جديد حولها لا طائل منه، ولا سيما أنه لن يؤدي إلا إلى غسل ساحة السلطة من الدماء التي سقطت في الأيام الماضية.
ويلتقي أصحاب هذا الرأي مع المعتصمين المرابطين منذ أشهر طويلة في ساحات التغيير، والذين يرون أنه «آن الأوان للمعارضة للتخلي عن التردد الذي صبغ موقفها بالوقوف مع الشباب في كثير من أوقات التصعيد، والانحياز بشكل حازم مع الثورة ورفض أي حوار مع صالح أو نجله».
أما التيار الثاني، فلا يمانع من اللقاء مع الزياني وبن عمر أو أي موفد دولي آخر، على اعتبار أن أحزاب اللقاء المشترك هي أحزاب سياسية بالدرجة الأولى، وليس لديها إمكانية لإقفال الآذان عن أي مبادرات تطرح أو حوار يعرض. كذلك يصر أصحاب هذا الرأي على أنه مهما بلغت درجة تعنت النظام اليمني، أو تخاذلت المواقف الدولية والإقليمية في دعم مطالب المحتجين، فلا يمكن إلغاء الدور الإقليمي والأممي، على اعتبار أن الحوار وحده سيكون عاجلاً أو آجلاً سبيلاً لإنهاء الأزمة.