يترقب الليبيون اتضاح مصير العقيد معمر القذافي، بالقدر نفسه الذي ينتظرون جلاء مصير «العائلة الحاكمة» لإسدال الستار على حقبة أبناء العقيد الذين لم يحمل أي منهم يوماً صفة رسمية في الجماهيرية، إلا أنهم كانوا يملكون كل شيء، ويتمتعون بصلاحيات تفوق صلاحيات كل الوزراء والمسؤولين. وإن كان مصير البعض من أبناء العقيد قد اتضح بعدما تأكد اعتقال سيف الإسلام ومحمد، فإن وضع الباقين لا يزال مجهولاً في ظل استمرار تواريهم عن الأنظار وتضارب المعلومات عن أماكن وجودهم. وسقط سيف الإسلام القذافي، وهو النجل الثاني للعقيد القذافي من زوجته الثانية، في أيدي القوات الموالية للمعارضة في ظروف لا تزال حتى اللحظة غير واضحة بعد وقت قصير من السيطرة على طرابلس. والمهندس الذي لطالما عرف عنه امتلاكه أفكاراً ليبرالية تؤمن بالتعدُّدية وحقوق الإنسان، وأدى دوراً محورياً في تسوية ملفات ليبيا العالقة مع المجتمع الدولي، تصدّر مع اندلاع الانتفاضة الليبية المشهد الإعلامي، متوعداً الليبيين في حال المضي قدماً في احتجاجاتهم بحرب أهلية بين القبائل، نازعاً عنه قناع الاعتدال الذي ظل يحمله طوال السنوات الماضية.
وقبيل ساعات من سقوط طرابلس، كان سيف الإسلام، الملاحق من المحكمة الجنائية الدولية يؤكد أن الاستسلام لقوات المعارضة المسلحة غير وارد. أما مصيره في المرحلة المقبلة فسيبقى غامضاً في ظل حديث المعارضة الليبية عن إمكان أن يحاكم في ليبيا وألا يسلم إلى المحكمة الجنائية الدولية، التي تعدّه «رئيس الوزراء الليبي بحكم الأمر الواقع» وتتهمه بأداء دور «أساسي في تطبيق خطة» أعدها والده وتهدف إلى قمع الانتفاضة الشعبية التي اندلعت في شباط «بكل الوسائل»، وبينها «استخدام العنف الشديد والدموي». في المقابل، بادر النجل الأكبر للقذافي، محمد، إلى تسليم نفسه إلى المعارضة الليبية إلى جانب أسرته وأمه فتحية خالد. وبعد وقت قصير على اعتقاله، قال في مقابلة هاتفية مع قناة «الجزيرة» إنه في منزله ولن يغادره، في وقت كانت تسمع فيه أصوات لإطلاق نار كثيف داخل مقر إقامته غير المعروف.
وأضاف محمد، الذي يعرف عنه ابتعاده عن العمل السياسي: «لست موجوداً في الأجهزة الأمنية أو الرسمية للدولة، ولا أعرف ما حدث»، مشيراً إلى أن «غياب الحكمة والرؤية الواسعة هو الذي أوصل ليبيا إلى ما هي عليه الآن». وفي تحميل غير مباشر للعقيد القذافي والمحيطين به المسؤولية عن دفع الأمور إلى نقطة اللاعودة، قال إن «مشاكلنا كانت بسيطة وكان يمكن أن تحل المشاكل».
أما الساعدي القذافي، فظل مصيره مجهولاً حتى عصر يوم أمس قبل أن يعلن رسمياً القبض عليه. وكانت قد تضاربت الأنباء بين اعتقاله وفراره خارج ليبيا. ويعرف عنه أنه لا يملك أي ميول سياسية، بل يتّجه عادة إلى النشاطات الرياضية، ويمتلك العديد من العقارات داخل ليبيا وخارجها. إلا أن الانتفاضة الليبية دفعته للخروج عن صمته في بداية شهر آذار الماضي، فحذّر بدوره من أن تنحي والده عن الحكم يمكن أن يؤدي إلى حرب أهلية، مشيراً إلى أن القبائل ستتقاتل وتتفرق، وأن ليبيا ستتحول إلى صومال جديد.
على المقلب الآخر، تشير آخر المعلومات إلى أن المعتصم القذافي، الابن العسكري الملاصق دوماً لوالده، يقود معركة الدفاع عن مقر باب العزيزية في العاصمة طرابلس. ويتزعّم المعتصم كتيبة «فدائيي القائد» التي تعسكر في الجبل الأخضر، ويبلغ قوامها نحو 10 آلاف رجل. سافر إلى عدد من الدول الغربية رسولاً للنيّات الحسنة بين نظام أبيه والدول الغربية، لفك الحصار، في إطار صراعها مع الغرب، ما جعل منه منافساً محتملاً لشقيقه سيف الإسلام لوراثة السلطة عن العقيد.
من جهةٍ ثانية، يكتنف الغموض مصير أبناء القذافي الباقين، وفي مقدمتهم عائشة القذافي، الابنة المدللة لوالدها، التي تعهدت سابقاً الصمود في ليبيا، نافيةً ما أذيع عن فرارها برفقة والدتها صفية إلى تونس. بدوره، لم يظهر هنيبعل القذافي منذ اندلاع الانتفاضة. والأخير يمتاز بعدوانية ورعونة في التصرّف، سبّبتا مراراً إشكالات قانونية لوالده ولنظامه، أهمها الأزمة الدبلوماسية بين الجماهيرية وكلّ من سويسرا والاتحاد الأوروبي، التي اندلعت على خلفية اعتقاله، ووصلت إلى حدّ إعلان العقيد الجهاد على سويسرا «الكافرة». أما مصير خميس القذافي، الذي يقود كتيبة خاصة به يُطلق عليها اسم «فدائيي الثورة»، فيبقى مجهولاً بعدما ترددت شائعات عديدة عن أنه قتل في مدينة زليتن قبل مدة. أما سيف العرب، أصغر أنجال القذافي، فقتل في غارة للأطلسي، قبل أكثر من 3 أشهر.
(الأخبار)