ظلّت الكتلة الأوروبية والأميركية على موقفها السلبي من خطاب الرئيس بشار الأسد، بينما انفردت أنقرة بالحديث الحذِر عن إيجابيات تضمّنها الخطاب، على وقع سجال روسي ــ فرنسياستمرت أصداء الخطاب الذي ألقاه الرئيس السوري بشار الأسد، أول من أمس، بالتردد في أروقة العواصم العالمية، من أنقرة إلى واشنطن، مروراً ببكين ومعظم الدول الأوروبية التي اجتمعت على اعتبار أنه كان غير كاف.
وظل الموقف التركي من مضمون كلمة الأسد يتمحور حول دائرة كلمة سحرية واحدة: الخطاب حمل أقل بكثير مما انتظرناه، ورغم أنه تضمن بعض الإيجابيات، إلا أن المطلوب أكثر من ذلك. وكان لافتاً إجراء الرئيس الأميركي باراك أوباما اتصالاً هاتفياً برئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، هو الثاني بينهما خلال ستة أيام، احتل الشأن السوري الجزء الأكبر منه، بالإضافة إلى الحرب على ليبيا والقضية الفلسطينية. وجاء في بيان للبيت الأبيض أن أوباما وأردوغان «اتفقا خلال هذه المحادثة الهاتفية على أنه يجب على الحكومة السورية أن تضع حداً لأعمال العنف الآن، وأن تطبق سريعاً إصلاحات ملموسة تحترم التطلعات الديموقراطية للشعب السوري». وكان الرئيس التركي عبد الله غول قد رأى أن على الأسد أن يكون «أكثر وضوحاً بكثير» في كلامه عن التغيير الديموقرطي في سوريا. ونقلت وكالة الأناضول الحكومية عنه قوله: «علينا أن نقرأ بين السطور في خطابه، بينما المطلوب منه أن يقول بوضوح وبصوت مرتفع: سننتقل إلى نظام تعددي وسننظم انتخابات ديموقراطية طبقاً للمعايير الدولية». وتابع: «فور قول الرئيس السوري إنه سيقود المرحلة الانتقالية في بلاده، سنرى عندها أن الأمور ستتغير». وأضاف غول، في ما وصفته الصحف التركية بأن صبر تركيا ازاء سوريا بدأ ينفد: «يتعين على الأسد أن يقول بوضوح ودقة إن كل شيء تغيّر. نحن ننقل النظام للتعددية الحزبية. كل شيء سينظم وفقاً لإرادة الشعب السوري وسأتولى تنفيذ هذه العملية».
بدورها، أوضحت وزارة الخارجية التركية أن الخطاب «يحمل ملامح إيجابية وأخرى سلبية». وبحسب مسؤولين في الوزارة تحدثوا لصحيفة «حرييت»، فإن عدداً من الوعود التي قطعها الأسد هي من بين النصائح التركية التي وُجهت إلى القيادة السورية من بدء اندلاع الأزمة، «غير أنّ اتهام الأسد لقوى المعارضة بأنها تتآمر على سوريا بالتعاون مع قوى أجنبية، بالإضافة إلى الطابع الفضفاض لوعوده الإصلاحية، هي نقاط سلبية في كلمة الأسد». وبرّر المسؤولون الأتراك موقفهم بأنه «سيكون على الأسد التحاور مع قوى المعارضة التي يتهمها بالتآمر، لذلك فإنّ هذا الاتهام الموجه لها أمر سلبي، لأن هذه التصريحات لا تبني أجواء ثقة بين الأطراف المتصارعة».
وفي السياق، يزور مندوبون عن السفارات الأجنبية في أنقرة وممثلون عن المنظمات الدولية، اليوم، إقليم هاتاي في جنوب تركيا الذي يستضيف لاجئين سوريين بلغ عددهم أمس 10718 شخصاً. وسيزور كبير مستشاري الرئيس التركي، أرشاد هرموزلو، اليوم أيضاً هذه المخيمات. في غضون ذلك، أعربت الصين عن دعمها الحوار والتنسيق بين الأطراف السورية المعنية لحل الخلافات الداخلية.
ونقلت وكالة أنباء الصين الجديدة «شينخوا» عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية هونغ لي تأكيده أن بكين «تدعم الحوار والتنسيق بين الأطراف ذات الصلة في سوريا بغية حل الاختلافات الداخلية». وأضاف أن الصين «تدعم اختيار سوريا طريق التنمية التي تناسب ظروفها الوطنية بغية تحقيق استقرار وازدهار طويل الأمد». ودعا هونغ المجتمع الدولي إلى الاستمرار في القيام بدور بناء في الترويج للسلام والاستقرار في سوريا.
كذلك كان موقف حليف الصين في ما يتعلق بالأزمة السورية، أي روسيا، التي أعلن رئيس حكومتها فلاديمير بوتين أن «التدخل في شؤون دولة ذات سيادة أمر لا أفق له»، في تكرار جديد لنية موسكو باستخدام حق الفيتو ضد أي قرار يستهدف دمشق في مجلس الأمن الدولي.
كلام أدلى به بوتين خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الفرنسي فرانسوا فيّون الذي بدا كأنه انضمّ إلى الخطابات الناريّة التي عادةً ما يلقيها وزير خارجيته آلان جوبيه ضد النظام السوري، بإعلانه أن «مجلس الأمن الدولي لا يمكن أن يصمت لفترة أطول» حيال ما يجري في سوريا، مشيراً إلى أنه «اقترب الوقت الذي سيكون فيه على الجميع تحمل مسؤولياتهم». وجزم رئيس الوزراء الفرنسي بأنّ وزيره جوبيه «سيتابع التباحث خلال مأدبة غداء (مع بوتين) بشأن هذا الموضوع المثير للقلق»، في إشارة إلى تجديد مساعي الاتحاد الأوروبي بإقناع روسيا بعدم استخدام الفيتو الخاص بها ضد مشروع قرار الرباعي الأوروبي لإدانة النظام السوري. واعترف فيون بأن لفرنسا «مقاربة مختلفة» عن روسيا بشأن هذه القضية، غير أنه أعرب عن تفاؤله بإمكان التقاء تلك المقاربتين. أما الاتحاد الأوروبي، فسارع إلى التعبير عن «خيبة الأمل» إزاء خطاب الأسد، متوعداً بتوسيع العقوبات التي يفرضها على سوريا. ولفت وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتيني إلى أن حكومة بلاده أيضاً ترغب في التوصل إلى قرار من الأمم المتحدة ضد النظام السوري، واصفاً خطاب الرئيس السوري بأنه «مخيّب للآمال» أيضاً. ونقلت وكالة الأنباء الإيطالية «آكي» عن فراتيني قوله إن الخطاب جاء «مخيباً للآمال، فكنت آمل الكثير من الرئيس السوري الذي فقد الإحساس بالواقع».
(الأخبار، أ ف ب، رويترز، يو بي آي)