في دمشق اليوم، المشاهدات كثيرة: الباعة عادوا ببسطاتهم إلى شوارع المدينة على مرأى من رجال الأمن الذين لا يريدون بوعزيزي سوريّاً. لا شرطة تدقّق في أحزمة الأمان لاختراع مخالفة سير للسائقين. السهرات في النوادي الليلية كما في الحانات والمطاعم تبدأ بنقاشات متنوعة وتنتهي بالغناء للرئيس السوري بشار الأسد: منحبك إيه منحبك. لكن كل تلك مجرد تفاصيل. فالنظام السوري أنجز التفاهمات الداخلية التي يعدّها ضرورية وأساسية لحماية نفسه.أوّلها مع الأكراد. وكان البعض من خصوم سوريا ينتظرون انطلاق الحركات الاعتراضية في عيد النوروز الذي يصادف أول يوم في فصل الربيع (21 آذار) لكنّ اتفاقاً تفصيلياً بين النظام والمسؤولين الأكراد جعل سوريا كلها تحتفل بعيد النوروز، الذي نقل التلفزيون السوري وقائع الاحتفال به من القاعات التي وضعتها السلطات السورية بتصرف الأكراد. ويشار ضمن الحديث الطائفي، الذي تفضّل القيادة السورية عدم الدخول فيه لأن «سوريا دولة علمانية»، إلى أن الأكراد يخشون من أي ثورة في سوريا توصل الإسلاميين إلى الحكم نظراً إلى ما سيتعرض له الأكراد عندها، تماماً كما يخشى الإسلاميون، ولا سيما المرتبطون بتركيا، من ثورات الأكراد. ويشار هنا إلى أن الفعالية في أي تحرك كان يمكن أن يحصل في محافظة حلب هي للأكراد أكثر من غيرهم.
ثانيها مع تجار دمشق (وهم مع كل الاحترام لعلمانية الدولة السورية، من الطائفة السنية) الذين كانوا أكثر المستفيدين من دخول سوريا في عهد الرئيس بشار الأسد مرحلة الاقتصاد الجديد الذي حصر الغنى في مجموعة صغيرة. وفي حسابات التجار، فإن ما يعرفونه أفضل بكثير مما لا يعرفونه، وينظرون إلى الثورة بالتالي تماماً كما نظر إليها أصحاب رؤوس الأموال في شرم الشيخ، التي نأت بنفسها عن كل التظاهرات التي عصفت بمصر قبيل إسقاط نظام مبارك.
وقد وصل إلى البورجوازية السنية في دمشق كلام واضح في الأسابيع القليلة الماضية عن رغبة الأسد في إعادة توسيع شبكة العلاقات الاقتصادية واستيعاب المجموعات التي استُبعدت من اللعبة الاقتصادية، في عودة إلى الاتفاق غير المعلن الذي كان قائماً بين الرئيس الراحل حافظ الأسد والعائلات الدمشقية، حيث سلم الأسد الأب هذه العائلات مفاتيح اللعبة الاقتصادية، أقله في محافظتي دمشق وريف دمشق.
يشار هنا إلى أن معظم الذين نزلوا إلى الشارع، يوم الجمعة الماضي، تضامناً مع نظام الأسد كانوا من الدمشقيين. وفي التحركات الاعتراضية التي سُجلت بالقرب من سوق الحميدية قبل بضعة أيام، كان ردّ فعل التجار على المعترضين أعنف من ردّ فعل عناصر الاستخبارات، علماً بأن إتقان الدمشقيين للحسابات يدفعهم إلى الخشية على الأمان والاستقرار في ظل عدم وضوح معالم البديل للنظام القائم، فضلاً عن حذرهم، رغم إيمانهم الوارع، من تسلل الإسلاميين إلى السلطة على ظهر المطالبين بالحرية، فيعيد هؤلاء ترتيب القيم والعادات والتقاليد في عاصمة الأمويين.
ثالثها مع الإخوان المسلمين. وتتعامل السلطات السورية بسرية تامة مع تفاصيل هذا الملف، إذ يكتفي المسؤولون بالتأكيد على أن حركة حماس وتركيا تؤدّيان دوراً إيجابياً كبيراً على هذا الصعيد لمصلحة النظام السوري، بعيداً عن الأضواء، في ظل بعض التوقعات بأن تتبع الدفعة الأولى من المعتقلين الذين أطلق سراحهم، دفعات أخرى تضم المزيد من الإسلاميين.
رابعها «داخل البيت» حيث يكاد يمكن القول إنه ما من صوت واحد يحتج على إدارة الرئيس الأسد لسوريا، علماً بأن معظم من يوصفون بالفقراء في سوريا، الذين يفترض أن يكونوا المحرك الأساسي لأي ثورة حقيقية، ينتمون دينياً إلى الطائفة العلوية. ويشار إلى أن التوزيع الجغرافي ـــــ الديموغرافي يظهر وجود نحو مليون منهم في ما يعرف بضاحية دمشق، وهؤلاء على استعداد دائم للنوم في ساحات المدينة، كما يتوزع هؤلاء على بلدات كبيرة بين بلدات ريف دمشق. وبدا خلال تشييع أحد المراجع الدينية العلوية الأساسية في مدينة حماه قبل بضعة أيام، حجم الحضور العلوي في تلك المحافظة أيضاً.
خامسها، وسط الشباب. فالتنقّل بين مجموعات الفايسبوك ومتابعة النقاشات يُظهران أن المسافة بين الشباب السوري ورأس نظامه ليست أبداً بحجم تلك المسافة التي كانت تفصل بين الشعب المصري ورأس نظامه، أو الشعب الليبي والعقيد معمر القذافي، ولا يمكن توقع قيام ثورة ناجحة، إذ إن جامعة دمشق، التي تضم أكثر من 140 ألف طالب، لم تشهد بعد أيّ تحرك احتجاجي.
كل ما سبق ذكره (إضافةً طبعاً إلى النفوذ الأمني والاستخباري) يطمئن القيادة إلى صلابة الأرض التي تقف عليها، لكن هذه القيادة تبدو راغبة في الاستفادة من الضغط والتوتر العامّين للتعجيل في إصلاحات، يقال منذ 10 سنوات إن الحرس القديم يمنع الأسد من تحقيقها. في سوريا رجل واحد متصالح مع نفسه وشعبه، يعلم بأنه سيفوز بتأييد أغلبية شعبه سواء كان الشعار: سوريا حرة أو سوريا وحدة ـــــ حرية ـــــ اشتراكية.
7 تعليق
التعليقات
-
برافو عليك يا أستاذ غسانلقد طوّعت قلمك الذي نحب من أجل تلطيف صورة النظام، مع بعض اللمسات من أجل المهنيةوالموضوعية، وهذا من تأثير السفرات المتوالية والإقامة الفخمة في دمشق.
-
درء الفتنةيحاول بعض مروجو الفتنة تصوير أن العلويين يعيشون في رخاء وهم أعلى من القانون على عكس باقي الطوائف وهذا كذب وتضليل الفاسدون موجودون في جميع الطوائف والفقراء موجودون في جميع الطوائف والسبب الرئيسي في فقر بعض الأسر هو تعدد الزوجات وارتفاع مستوى الانجاب وهو أمر مرتبط بالتقاليد فكل منطقة لها عاداتها بالإضافة إلى عوامل كثيرة منها التعليم وغير ذلك وبشكل عام أبناء الريف من جميع الطوائف يعيشون بشيء من الفقر
-
مبروك عليك صار فيك تدعي أنكمبروك عليك صار فيك تدعي أنك صرت خبير بالشؤون السورية حيث تظن أنك(كصحفي لبناني وكعادة لبنانية) عندما تجالس بعض ضباط الأمن وبعض منافقي النظام لزوم عدة الشغل قد أمتلكت الحقيقة الإلهية مثل ما بتعملوا في لبنان،و من أولى علائم الفهم عندك أن الطائفة العلوية هي الأفقر بالرغم من أن دراسات النظام نفسها التي بينت أن المناطق الشمالية والشرقية تعد الحاضن الأكبر لأفقر الناس بالرغم من مساهمة مناطقهم بأهم منتجات سوريا من النفط والحبوب والقطن ،أي سوري يعرف أن معدل التوظيف الرسمي عندالعلويين هو الأعلى في سوريا وخصوصا مع تشجيع الأجهزة على ذلك، طبعا مع أسثناء الشبيحةالشغالين على التهريب والبلطجة،وأي سوري يعلم أن المكان الذي فيه علوي لا منصب اعلى دونه ، وأي سوري يعرف أن أي علوي (ما عدا بعض المعارضين)مشروع مخبر عند الأجهزة، وأي سوري يعرف أن الأحتجاجات ليست بسبب أقتصادي أو معيشي ولكن بسبب القمع والذل الذي عانى منه الناس،عندما يتجرأ الناس على حرق الصور والتماثيل المقدسة فهذا تطور هائل، يخطئ الكاتب عندما يظن أن النظام متماسك ومرتاح ولكنهم أوحوا إليه بذلك أو هو يريد الإيحاء بذلك، غسان سعود عن جد حبيتك يازلمة، خبير مو بإيدك
-
يا عمي افهموها بقا هؤلاء بدهميا عمي افهموها بقا هؤلاء بدهم يقتلو الناطور و ليس اكل العنب في براسهم مشروع بدهم يتفذوه و لن يرضو باي تقديمات حتى لو اشعلت لهم القيادة اصابعها العشرة
-
يا استاذ لمن لا يعرف فسوريايا استاذ لمن لا يعرف فسوريا رغم علاتها الدولة العربية الوحيدة التي تقدم كل الخدمات من طبابة و تعليم و غذاء و غيرها بتكاليف رمزية تقارب المجان فماذا لو قررت الحكومة تحت شعار الاصلاح الاقتصادي رفع الدعم عن هذه السلع ؟ هل هذا ما يريدونه من اصلاح ؟ انا شاب مسيحي سوري لا علاقة لي بالسياسة لم اذكر و لم يسالني احد في حياتي عن طائفتي او ديني في اي مكان في سوريا منذ ولدت و هذا التسامح يشعر كل المواطنين الى اي فئة انتمو بالامان و الاستقرار , و لو قدر لهؤلاء الظلاميين التحريضيين ان ينجحو بالوصول الى الحكم ساحمل حقيبتي و اذهب الى اول سفارة واهاجر الى الابد على ان يحكمني بعض هؤلاء الذين يهتفون بالشعارات الطائفية البغيضة .