صنعاء | كان يوم أمس نهاراً طويلاً للرئيس اليمني، علي عبد الله صالح، قضاه في اجتماعات متواصلة مع قيادات في الجيش لم يُكشف عن هويتها، في محاولة لمنع الانهيار المتسارع لمنظومة الجيش، الذي كان أولى بوادره الإعلان المفاجئ للواء علي محسن الأحمر بالانضمام إلى الثورة. وتحسباً لأيّ انهيارات إضافية، عقد صالح جلسة خاصة مع الأحمر، بحسب ما أكدت مصادر مطلعة، لكن الأخير رفض التراجع عن موقفه، مكتفياً بتقديم وعده بضمان خروج آمن له. رفض دفع صالح إلى إعلان بيان من طريق وزارة الدفاع قال فيه: «إن القوات المسلّحة ستظلّ مخلصة لقسمها أمام الله والشعب والقيادة السياسية في ظل الرئيس»، مضيفاً أن هذه القوات «لن تسمح تحت أي ظرف من الظروف بأي محاولة للانقلاب على الديموقراطية والشرعية الدستورية».
انهيارات، كانت مجزرة «جمعة الإنذار»، التي أوقعت نحو 52 قتيلاً من شباب «ساحة التغيير» في صنعاء، سبباًَ مباشراً فيها، بعدما نجحت، مع حجم المأساة، في إحداث فارق هائل بين طرفي المعادلة. فظهرت كحدّ فاصل بين مرحلتين رئيسيتين على طريق الثورة اليمنية؛ الانتقال من ضفة المطالبة إلى ضفة فرض شروط اللعبة؛ العبور من شعار «الشعب يريد إسقاط النظام» إلى «الشعب يريد محاكمة السفاح».
بعد الجمعة الدموية، حصدت الثورة أولى ثمراتها مع بدء انهيار بنية نظام صالح نفسه، حيث انهالت سريعاً، ومن داخل حلقته الخاصة، استقالات مقرّبين من دائرة حكمه، ممن كانوا حتى ما قبل لحظات وقوع مجزرة الجمعة في سعي جاد لتقديم مبادرات للخروج بحلّ مناسب لجميع الأطراف، وبينهم وزير السياحة نبيل الفقيه، الذي قدم مبادرة لاقت استحساناً من جهات معارضة، فيما لاقت استياءً بالغاً من صالح الذي واجه الفقيه بردّ فعل «مبالغ فيه»، بحسب مصادر مطلعة، أجبرت الأخير على تقديم استقالة لم تكن في حسبان أحد، لتكرّ بعدها سبحة الاستقالات وتترك صالح وحيداً أكثر من أي وقت مضى، دفعه لحلّ استباقي عبر إقالة الحكومة.
لكن الضربة التي لم تكن في بال صالح جاءته ممن كان يضعه في خانة الأمان: قائد الفرقة الأولى المدرعة، قائد المنطقة الغربية الشمالية اللواء علي محسن الأحمر، الأخ غير الشقيق للرئيس صالح.
أعلن الأحمر عبر «الجزيرة» تأييده لـ«الثورة الشبابية نزولاً عند رغبة زملائه ضباط وجنود المنطقة الشمالية العسكرية والفرقة الأولى المدرعة»، وبناءً على ذلك، أكد تقديم الدعم والحماية «لكل الشباب المحتجين في الساحة».
بيان مقتضب يعكس حقيقة هذه الشخصية المحترفة للصمت والهاوية البقاء بعيداً عن الضوء رغم قوتها المؤثرة على جميع الصعد. كذلك فإنّها تعكس حقيقة الجبهة الواسعة التي تنضوي فعلياً تحت لوائه وتمثلت في الأفراد الذين تقدّموا باستقالاتهم من الحزب الحاكم أو من مناصبهم في توقيت لاحق لبيان الأحمر، إضافة إلى انشقاق عشرات الضباط.
إشارات التقطها البعض من منظور إيجابي يعطي شعوراً مغايراً لمفهوم توازن القوى الداخلي في القوات المسلحة من جهة، وفي جهاز الدولة الإداري من جهة أخرى، الذي كان يُعتقد أنه يميل إلى مصلحة الرئيس. لكن في المقلب الآخر، وتحديداً في «ساحة التغيير» والساحات الأخرى، ظهر المشهد مختلفاً ومتفاوتاً.
ظهرت أسئلة من تحت الرماد، وخصوصاً لدى «شباب الثورة» ذوي التوجهات اليسارية، الذين لاحظوا أن ترويجاً يجري ببطء وصمت لاسم اللواء الأحمر داخل ساحة الاعتصام، وخصوصاً من جهة الشباب الإسلاميين، بعدما اختفى اسمه عن لائحة أسماء كانت مرفوعة في مكان ظاهر في الساحة، تضم مجموعة من أسماء أسرة الأحمر الحاكمة، التي اشتركت في نهب الأراضي والاستيلاء على المال العام والتحكم في مقدرات البلد وثروته. جرى هذا مع نزول أفراد من فرقة المدرّعات الأولى القريبة من مكان الاعتصام لحماية المدخل الشمالي للساحة ليصبح الممرّ الوحيد الآمن الذي يمكن الدخول عبره دون التعرض لإيذاء «البلطجية».
وفيما رأى شباب الإصلاح المعتصمين في الساحة أن لكل فرد يمني الحق في الانضمام إلى الثورة مهما كانت رتبته، كان لجماعة الحوثي رأي آخر، إذ أصدر مكتب عبد الملك الحوثي بياناً قال فيه إن على محسن الأحمر أن يبرهن صدقيته بالانضمام إلى خيار الشعب، وأن يقدم اعتذاراً عن ماضيه الأسود.
أما شباب المحافظات الجنوبية في الساحة ذاتها، فكان لمعظمهم رأي آخر تلخص في: «أليس علي محسن الأحمر هو من استولى على مساحات واسعة من أراضي الجنوب، ووزعها على جماعاته من العائدين من أفغانستان».
من جهة ثانية، لا يمكن فصل كل هذه التداعيات عن مركز القرار في السعودية، حيث الاهتمام على درجة عالية؛ ويمكن استلهامه في التحركات التي اعتاد أن يقوم بها أولاد الشيخ الراحل عبد الله بن حسين الأحمر باتجاه الأم الحنون، السعودية.
في هذه الأثناء، كشف السفير اليمني السابق لدى بيروت، فيصل أمين أبو راس، الذي قدم استقالته قبل يومين احتجاجاً، أنه علم من مصادر خاصة أن طائرة يمنية هبطت في قاعدة عسكرية في الرياض مساء أمس. وكتب على صفحته على «فايسبوك»: «وصلني الآن اتصال من المملكة بهبوط طائرة يمنية تحمل شخصيات هامة وعائلات إلى الرياض، وقد هبطت في قاعدة عسكرية».
وكان وزير الخارجية اليمني أبو بكر القربي قد حمل رسالة إلى الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، أمس، ذكر أنها تتعلق بتطورات الوضع في اليمن.