اتخذت الأحداث في البحرين منحىً تصاعدياً بعد مقتل شخصين، وارتفعت وتيرة الاحتجاجات خلال تشييع الشهيد الثاني لثورة «14 شباط»، قبل أن تعلن أكبر جمعية معارضة «الوفاق» تعليق عضويتها في مجلس النواب تضامناً مع المحتجّين، فيما سعى الملك حمد بن عيسى آل خليفة إلى تخفيف حدة التوتر عبر تأليف لجنة تحقيق للوقوف على أسباب مقتل الشابين. وخرج البحرينيون بالآلاف لتشييع الضحية الثانية، فاضل سلمان متروك (31 عاماً)، وهو أب لطفلين، كان قد قُتل خلال تشييع القتيل الأول علي عبد الهادي مشيمع. ومع تواصل الاحتجاجات، تجاوز عدد الجرحى أكثر من 37 شخصاً.

وفيما انخفضت بنحو ملحوظة المسيرات المتفرقة في باقي القرى والمناطق، واصل المحتجون تدفقهم باتجاه دوار اللؤلؤة، الذي أطلق المتظاهرون عليه اسم دوار الشهيد ودوار الحرية، على مدى اليومين الماضيين، بعدما رفعت القوات الأمنية الحصار عنه، وخفضت من تعزيزاتها الأمنية في باقي المناطق. وافترش كثيرون الأرض ونصبوا الخيام استعداداً للمبيت في اعتصام مفتوح حتى تحقيق المطالب. ويُرتقب أن يشهد الدوار تظاهرة حاشدة غداً عقب صلاة الجمعة، ولا سيما بعدما أعلنت جمعية «الوفاق» المعارضة أنها ستشارك فيها. ووصف الناشط الحقوقي محمد المسكتي التظاهرات بأنها حضارية وسلمية، وأن المتظاهرين ردّدوا هتافات تدعو الى تلبية مطالبهم. وانضمت إليهم فرق لإنشاد الشعر وأخرى للموسيقى للمشاركة بوسائل التعبير عن الاحتجاج. ولفت الى أن السلطات ضغطت على الشركات الخاصة كي تمنع موظفيها من الاحتجاج، موضحاً أن معلومات وردته بأن شركة «زين» للاتصالات طردت 50 شخصاً، وهو ما نفته الشركة.
وفي موقف تصعيدي لأكبر كتلة معارضة، أعلنت جمعية «الوفاق» تعليق عضويتها في مجلس النواب «احتجاجاً على استخدام العنف ضدّ المتظاهرين المطالبين بإصلاحات سياسية على رأسها تحقيق الملكية الدستورية». وقررت «تأليف لجنة طوارئ في حال انعقاد دائم، وتوزيع المسؤوليات للتواصل مع جميع الأطراف الشعبية والرسمية والإعلامية، ومتابعة الموقف لحظة بلحظة، ودراسة اتخاذ أي قرار آخر تقتضيه التطورات والمستجدات».
ومن المقرر أن تنعقد اليوم جلسة استثنائية لمجلسي الشورى والنواب لمناقشة خطاب الملك بشأن تأليف لجنة، برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء جواد العريض، للتحقيق في أسباب الأحداث التي أدّت الى مقتل الشابين. وأكّد النائب الوفاقي سيد هادي موسوي لـ«الأخبار» أن «تعليق حضورنا يأتي احتجاجاً على حالات القتل وتأكيداً للمطالب السياسية، التي لم تبدأ الآن بل لطالما كررناها». وشدّد على أن تعليق العضوية هو إحدى المراحل «من أجل دعم المطالب وتغيير الحال القائم»، مؤكّداً أن «الوفاق ستحشد للتظاهرة في دوار اللؤلؤة يوم الجمعة»، وقدّر أن يكون الحضور «غير متوقع». ونفى أن يكون هدف التحرك إسقاط النظام، وأن تكون شعارات كهذه قد رُفعت.
بدوره، وجّه الأمين العام للجمعية (الوفاق)، الشيخ علي سلمان، رسالة طمأنة الى الداخل والجوار، بأنه لا مكان لولاية الفقيه في البحرين والمطلوب حكومة مدنية، وذلك بعد الأصوات التي تحدثت عن تحرك طائفي من أجل تغيير الوضع القائم.
وفي المقابل، قال رئيس كتلة «الأصالة» السلفية، غانم البوعينين، لـ«الأخبار»، إن الحركة الاحتجاجية ثورة للانقلاب على الميثاق الوطني. وأوضح أن المطالب المرفوعة ليست جديدة، وتحرّك الملك للاستجابة لها جاء قبل 10 سنوات، ومن دون أي ضغوط دولية أو إقليمية، وأن التعديلات الدستورية طرحتها «الوفاق» داخل البرلمان، وكذلك السنة والشيعة.
واستغرب البوعينين كيف تشارك «الوفاق» في احتجاجات لإسقاط الملك، بينما هي داخل العملية السياسية ووافقت على الإصلاحات قبل أعوام. وردّاً على نفي «الوفاق» رفع شعار إسقاط النظام، قال إنّ الفضائيات بثت صوراً لهم يهتفون «الشعب يريد إسقاط النظام». وتطرّق الى الكشف عن الخلية التنظيمية التي اتهمت بالإعداد لمحاولة انقلابية، بالقول «قبل فترة أنكروا أنهم يريدون إسقاط النظام، واليوم يؤكدون ذلك». واتهم بعض الجمعيات غير المرخصة، وفي مقدمها «وعد» برئاسة إبراهيم شريف، بأنها «بوق لـ«الوفاق»».
وربط النائب البوعينين ما يحصل في البحرين بالمحيط الخليجي، قائلاً إن «التحول يجب أن يكون متوازناً وفي إطار مجلس التعاون الخليجي»، متسائلاً «لماذا نتفرد بالتغيير؟». وشكك في إعلان الشيخ سلمان أن لا مكان لولاية الفقية، قائلاً «إن النظرة الشمولية ستتغلب على ما عداها، وإيران أوضح نموذج على ذلك، إذ تغلّبت فيها الأيديولوجية الدينية على الحكم المدني». وبعد أسفه على سقوط الضحايا، اتّهم بعض الجمعيات غير المرخصة ومن بينها «حق»، بأنها أرادت «إراقة هذه الدماء كي تذكي الثورة، كما قالت». التطورات في المملكة يُنظر إليها بقلق بالغ، خوفاً من خروج الوضع عن السيطرة وكي لا تكون مقدّمة لانفلات خليجي. وذكرت مصادر سعودية مطلعة لـ«الأخبار» أن الرياض قررت أن تتدخل إذا ما تطورت الأوضاع، وأن وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز ألّف خلية أزمة لمتابعة الوضع. وأكّدت المصادر نفسها أن هناك تفاهماً سعوديا ـــــ أميركياً على منع تدهور الوضع، وأن الأسطول الخامس في حالة استنفار.