القدس المحتلة | لا يتوقف الاحتلال الإسرائيلي عن الفن والابتكار لتهويد مدينة القدس المحتلة، ليس فقط بمصادرة الأراضي وبناء المزيد من المستوطنات في داخل المدينة ومحيطها، بل من خلال الضرائب الباهظة التي يفرضها على التجار والمحالّ التجارية. أما آخر فنونه، فحرمان مسنّي المدينة الوصول إلى بيت الله في الديار الحجازية، بسبب عدم دفع ضريبة «التلفاز»، لتذكيرهم فقط بوجوده واحتلاله كافة جوانب حياتهم.
فقد منعت سلطات الاحتلال الأسبوع الماضي، عشرات المواطنين المقدسيين من دخول الأراضي الأردنية، في طريقهم إلى السعودية، بحجة عدم دفعهم لضريبة «التلفاز». وأكد عضو لجنة الدفاع عن عقارات وأراضي سلوان، فخري أبو دياب، في حديث لـ«الأخبار» أن «الهدف الأساسي من منعهم الوصول للسعودية، هو من أجل التنغيص على المقدسيين وإيصال رسالة لهم بأن الاحتلال يسيطر حتى على أدائهم وشعائرهم الدينية»، مبيناً أن «أغلب الحجاج الذين أُعيدوا، دفعوا الضرائب المترتبة عليهم لسلطة البث الإسرائيلية، وراوحت المبالغ ما بين 3 و5 آلاف شيكل».
وقال أبو ذياب إنّ «منع بعض المقدسيين من الوصول إلى الأراضي الحجازية مع زوجاتهم، كاد يمنع نساءهم من أداء الفريضة لعدم وجود محرم، إلا أن السلطات السعودية سمحت للنساء بالدخول وانتظار أزواجهن». وقال أحد الحجاج المقدسيين، الذين مُنعوا من السفر، لـ«الأخبار» إن «سلطات الاحتلال منعت وصوله إلى السعودية قبل أن يدفع مبلغ 3880 شيكلاً، كضريبة تلفاز»، مضيفاً أنه «عاد الى سلوان وتدبر المبلغ ودفعه لسلطة البث الاسرائيلية، على أن يحاول الوصول مجدداً الى الأراضي الحجازية لأداء فريضة الحج».
وتجدر الإشارة الى أنّ سلطات الاحتلال الإسرائيلي تُجبر المواطنين من سكان القدس المحتلة على دفع ضريبة تصل إلى 370 شيكلاً سنوياً، أي ما يعادل 100 دولار أميركي.
وبما أنك في القدس، فهذا ليس كل شيء. هناك يستنفد الاحتلال كل الأعذار، في محاولاته لطرد السكان من مدينتهم؛ فالعزلة والكساد الناتجين من الحصار الاسرائيلي المفروض على المدينة والضرائب الباهظة، التي تفرضها بلدية الاحتلال، يسيطران على أجواء المتاجر والمحال الحرفية داخل أسوار البلدة القديمة من القدس.
ويؤكد تجار المدينة المقدسة لـ«الأخبار» أن أسواق القدس لم تشهد مثل هذه الحالة من الركود والكساد منذ عقود، وأن هذه الحالة التي تعانيها المصالح التجارية داخل الأسوار وحولها، ليست فقط بسبب العزلة التي تعانيها المدينة بسبب الجدار، بل أيضاً بفعل سياسة إسرائيلية مقصودة تستهدف الوجود الفلسطيني في المدينة، وتمتد لتشمل مضاعفة الضرائب المفروضة، واحتجاز البضائع ومصادرتها، وحتى التهديد العلني بإغلاق المتاجر في حال العجز عن الاستجابة للسياسة الضريبية القائمة.
ويقول أحد التجار من عائلة البكري إنهم «يحاولون الصمود بشتى الطرق، والاتصال بكافة المسؤولين الفلسطينيين لوضعهم في صورة الوضع المعيشي والاقتصادي الصعب في المدينة، وخصوصاً في ظل غياب فلسطيني رسمي جراء منع الاحتلال لذلك».
ورغم إغلاق الغرفة التجارية في القدس المحتلة بقرار كان قد أصدره وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، إضافة الى بيت الشرق والكثير من المؤسسات الفلسطينية في المدينة، إلا أنها مستمرة في تقديم عدد من الخدمات، مثل إصدار شهادات التعريف بالتاجر والمنشأ وتوثيق كافة الوكالات والكفالات والخدمات العادية التي تقدمها جميع الغرف التجارية في العالم، بحسب ما يؤكد رئيس الغرفة، عزام أبو السعود. غير أن هذا الإغلاق حدّ من إمكانية التواصل مباشرة مع المواطنين داخل القدس المحتلة وتقديم الخدمات لهم.
إضافة إلى أن الغرفة التجارية لا قدرة لها على التعامل مع المؤسسات التجارية الإسرائيلية العاملة في القدس. ومع ذلك، فإنها لم تتوقف عن تشغيل متخرجي الجامعات والمعاهد في مؤسسات المدينة وتدريبهم، ودفع نحو 75 في المئة من رواتبهم لمدة ستة أشهر، مع العلم بأن أكثر من 70 في المئة من هؤلاء المتدربين وُظِّفوا بصورة دائمة، وهو ما تعتبره الغرفة مساهمة في الحد من ارتفاع معدلات البطالة التي يعانيها سكان القدس المحتلة.
ويرى مدير «مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية»، زياد الحموري، أن الحصار الإسرائيلي الذي يستهدف المدينة بغرض عزلها عن محيطها الديموغرافي، إنما يفاقم من أوضاعها القاسية في شتى المجالات، بما في ذلك النشاط التجاري، بينما تواصل الدوائر الضريبية الإسرائيلية المختلفة فرض ضرائبها الباهظة وتنفيذ حجوزات لإجبار التجار والمواطنين عموماً على تسديدها.
ويقول الحموري إن «بعض التجار المقدسيين مدينون بمبالغ خيالية لهذه الدوائر»، بينما يساهم الحصار والعزلة في رفع غير مسبوق لمعدلات الفقر والبطالة، حيث تشير آخر الدراسات إلى أن الحصار أدى إلى دفع أكثر من 80 في المئة من أهالي المدينة الفلسطينيين إلى ما تحت خط الفقر، وسبّب إغلاق نهائي لنحو 25 في المئة من المحال التجارية فيها.



خلال تسلمه مفاتيح المدينة المقدسة «السبعة» من سبع فتيات فلسطينيات من المدينة، ضمن وفد كبير ضم شخصيات وفعاليات مقدسية زارت مقر الرئاسة في رام الله أول من أمس، أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وجود تقصير رسمي فلسطيني تجاه المدينة المقدسة، بالقول: «ربما كان هذا تقصيراً مني أولاً لأنني المسؤول، لكني أرجو أن نتمكن من توحيد القنوات من أجل دعم الصمود، وأعددنا أخيراً خطة لدعم القدس ستوزع على كل الدول العربية والإسلامية».