الخرطوم | على بعد كيلومترين فقط من مقر القيادة الإقليمية لقيادة البعثة الدولية لحفظ السلام في غرب دارفور «يوناميد»، تعرضت دورية تابعة للقوة لهجوم يوم الثلاثاء الماضي، قتل خلاله أربعة جنود وأصيب ثمانية آخرون بجروح من القوة النيجيرية المشاركة في البعثة. قُرب الانفجار من مقر القيادة، المفترض أن يكون محاطاً بإجراءات أمنية مشددة، يشير بوضوح إلى الأوضاع الصعبة التي تعيشها أكبر بعثة سلام دولية في تاريخ الأمم المتحدة، والتي يتجاوز تعدادها سبعة وعشرين ألف فرد. وتعتبر نيجيريا ومصر من أكبر البلدان مساهمة في تكوينها العسكري.
وأعاد الحادث تسليط الضوء على حادثة مشابهة في عام 2007، عندما هاجمت مجموعة مسلحة مقر القوات الأفريقية في منطقة حسكنيتة في دارفور، وقتلت سبعة عشر جندياً، إضافة إلى سقوط العشرات من الجرحى.
ويرى مراقبون أن بعثة حفظ السلام في دارفور لم تكن يوماً مؤهلة لمهمة «حفظ سلام»، فالإقليم لم يشهد سلاماً منذ التفكير في إنشاء البعثة. ويقول المحلل السياسي محمد لطيف لـ«الأخبار»، «إن مهمة القوة الدولية في دارفور لم تف بالغرض الذي أنشئت من أجله، لعدم توفر المعينات الضرورية لها منذ تكوينها، مثل الأسلحة الهجومية وغيرها».
ورأى أن «المجتمع الدولي درج على تكرار مطالبه للحكومة السودانية بضرورة حماية أفراد بعثة حفظ السلام في دارفور»، في إقرار ضمني بأن القوة الدولية في الإقليم لا تستطيع حماية نفسها في المقام الأول، فكيف يتسنى لها حماية مئات الآلاف من سكان المعسكرات من هجمات الميليشيات؟
وكانت القوة الدولية المشتركة في دارفور قد تسلمت مهماتها رسمياً في الحادي والثلاثين من كانون الأول 2007 بتفويض أممي، بعدما كانت تنتشر في الإقليم قوة تابعة للاتحاد الأفريقي منذ عام 200.
ووصل عدد القتلى من قوات حفظ السلام الدولية إلى 42 جندياً، سقطوا في عمليات متفرقة بالإقليم، أكبرها حجماً تلك التي وقعت في حسكنيتة عام 2007. يومها اتهم الاتحاد الأفريقي قوة متمردة بقيادة الجنرال بحر إدريس أبو قردة، بالوقوف وراء الهجوم. ووجهت له المحكمة الجنائية الدولية تهماً تتعلق بارتكاب جرائم حرب، إلا أن المحكمة برأت الرجل في عام 2010، قبل أن يصبح أبو قردة داخل القصر الرئاسي في السودان. ويشغل حالياً منصب وزير الصحة بعدما وقع اتفاقاً للسلام مع الحكومة السودانية ضمن اتفاق الدوحة.
وإلى جانب عمليات القتل، لم تنج القوة الدولية في دارفور من حوادث الخطف، ولا سيما لكادرها المدني. غير أن مجموعة مسلحة خطفت الشهر الماضي ضابطين تابعين للقوات الأردنية المسلحة، المشاركة ضمن البعثة الدولية في دارفور من مقر بعثتهما في منطقة كبكابية. ولم تفلح جهود الحكومة والبعثة بمساعدة الاستخبارات الأردنية في الوصول إلى مكان المخطوفين ولا حتى إلى الجهة التي نفذت العملية.
ورغم انتشار أكثر من عشرين ألف جندي أممي، بتعزيزات مدنية يبلغ قوامها نحو سبعة آلاف موظف، إلا أن البعثة الأممية تعاني نقصاً حاداً في بعض المعدات المتقدمة، مثل المروحيات الهجومية وأجهزة الرؤية الليلية، وذلك رغم المناشدات المتكررة من قيادة البعثة للدول المشاركة فيها بضرورة تعزيز الدعم في هذين المحورين. إلا أن تلك النداءات المتكررة استجابت لها إثيوبيا العام الماضي بإرسال مروحيتين مقاتلتين، وهما بالطبع لن تفيا بحاجة أكبر بعثة دولية تنتشر في إقليم تساوي مساحته مساحة فرنسا.
إلى ذلك، دان مجلس الامن التابع للامم المتحدة الهجوم على قوات حفظ السلام. وقال غيرت روزينتال، سفير غواتيمالا والقائم بأعمال رئيس مجلس الأمن الدولي، «أعضاء مجلس الأمن يدينون بشدة الكمين يوم الثاني من أكتوبر الذي نصبه مجهولون مسلحون على دورية قوة الاتحاد الافريقي والامم المتحدة لحفظ السلام اوناميد في الجنينة بدارفور والذي قتل فيه اربعة جنود نيجيريين واصيب ثمانية».
واضاف ان أعضاء مجلس الامن «يدعون حكومة السودان للاسراع بالتحقيق في الواقعة ومحاكمة مرتكبيها».
كذلك، طالب الامين العام للامم المتحدة، بان كي مون، الحكومة السودانية باجراء «تحقيق معمق» بالهجوم واحالة مرتكبيه الى القضاء.
وقال المتحدث باسم الامم المتحدة مارتن نيسيركي ان «الامين العام يطلب فوراً من حكومة السودان اجراء تحقيق معمق والتأكد من احالة المسؤولين بسرعة امام العدالة».
وكان مجلس الامن الدولي قرر في 31 تموز خفض عديد هذه قوة حفظ السلام العاملة في دارفور بسبب «تحسن الوضع الامني على طول الحدود بين السودان وتشاد وفي شمال دارفور اثر التقارب بين السودان وتشاد وبين السودان وليبيا».