رأى السياسي الأميركي المخضرم، زلماي خليل زاده، أن الانقلاب في سوريا يعدّ الخيار الأمثل، مشجعاً الولايات المتحدة على التعاون مع أشخاص داخل النظام السوري لتنفيذه. وحث المندوب الأميركي الأسبق في الأمم المتحدة، زلماي خليل زاده، الإدارة الأميركية على تشجيع تنفيذ انقلاب داخل سوريا، من خلال التعاون مع أشخاص من قلب النظام، بما يؤدي في نهاية المطاف إلى اسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، محذراً في الوقت نفسه من تداعيات استمرار القتال إلى ما لا نهاية. وانطلق زاده، الذي سبق أن عمل سفيراً لبلاده في أفغانستان والعراق، في دعوته التي نشرها في مقال في مجلة «فورن بوليسي»، من أن الاضطرابات في ليبيا ومصر خلال الأسبوعين الماضيين، أوضحت أن بإمكان القوى المتطرفة الاستفادة من عدم الاستقرار في أعقاب التحولات السياسية. وانتقد «السياسة السلبية» الأميركية حيال الأحداث السورية، مشيراً إلى أنها تزيد من مخاطر إطالة أمد الصراع، اثارة الفتنة الطائفية، تمكين المتطرفين، وانهيار مؤسسات الدولة، التي سيكون هناك حاجة إليها لتحقيق الاستقرار في البلاد بعد رحيل الأسد.
أما المسار الذي يقترحه زاده، والذي يرى أنه قادر على معالجة مخاوف الادارة الأميركية، ويسرع انتقال السلطة، فيتمثل في عمل الولايات المتحدة وحلفائها مع المعتدلين في المعارضة السورية، بما في ذلك تزويدهم بالسلاح والمعدات الضرورية الأخرى، وتشجيع الانشقاقات من داخل النظام السوري، بما يؤدي إلى إسقاط الأسد.
ورأى زاده أن حدوث الانقلاب لن يؤدي فقط إلى إزالة الأسد من السلطة، بل من شأنه أيضاً أن يكفل الحفاظ على مؤسسات الدولة في سياق الانتقال. ولفت إلى أنه ينبغي للولايات المتحدة التواصل مع المقربين، لكن ليس الدائرة المقربة من الأسد وأسرته. ونبه إلى أن هندسة انقلاب في نظام استبدادي صعبة للغاية، محذراً من أن جزءاً كبيراً من جهاز استخبارات الأسد يركز على منع حدوث انقلاب.
وأشار إلى أنه إذا كانت هذه العناصر قادرة على أن تنفذ انقلاباً، يمكن الولايات المتحدة أن تتوسط لاحقاً في الترتيب لتقاسم السلطة مع المعتدلين في المعارضة. وأوضح أن جزءاً كبيراً من الضباط الذين قد يقودون الانقلاب هم من الطائف العلوية، مشيراً إلى أنه في بيئة تتصاعد فيها الطائفية، فإن هؤلاء الضباط سيكونون حذرين في التحرك ضد الأسد. وأضاف «لزيادة احتمال تحرك هؤلاء الضباط، فإن ميزان القوى على الأرض يجب أن يبدأ بالتبدل ضد الأسد، وعلى المعارضة تبني برنامج ذي صدقية لتقاسم السلطة بين مختلف الطوائف والجماعات الإثنية في البلد، بما يضمن أن الذين سينشقون سيكون لديهم مكان في النظام الجديد».
ونبه زاده إلى أن مثل هذا الاتفاق بين أطراف من النظام والمعارضة قد يؤدي إلى صراع داخل المعارضة، بينما سيمثل فرصة لاستمرار قادة الانقلاب في مرحلة ما بعد الأسد، وسيضمن للسوريين تجنب انهيار مؤسسات الدولة وخطر الفوضى.
كذلك تشمل الاستراتيجية التي تحدث عنها زاده تنظيم المعارضة، من خلال تنشيط المعتدلين فيها ليكونوا نواة للقيادة السورية في المستقبل، وفيما أشار إلى أن المعارضة فشلت في أن تحظى بدعم العلويين والأكراد والمسيحيين، وأن العناصر المتشددة أمنت دعماً خارجياً على عكس المعتدلين، أكد أنه يجب «أن نستخدم القوى المعتدلة كقناة رئيسية لعمليات التمويل ونقل الأسلحة الخفية». وأضاف ينبغي أن نعمل ليس فقط مع الجماعات الوافدة، بل أيضاً مع القوى الداخلية التي تنشأ عضوياً في الصراع.
وشدد على أن هذا الدعم ينبغي أن يوجه لتهميش المتطرفين.
كذلك اقترح زاده إبقاء الباب مفتوحاً أمام روسيا لحفظ مصالحها، مرجحاً أنه قد يكون بالإمكان إقناعها، إذا تبدلت الظروف، بانتقال مستقر للسلطة يحافظ على النفوذ الروسي. وفي ما يتعلق بالجيش، أكد زاده أنه سيتسمر في قيادته ضباط رفيعو المستوى من الذين عملوا طويلاً مع موسكو، لافتاً إلى أن المصالح الاستراتيجية والاقتصادية يمكن تأمينها من خلال الحكومة الجديدة، كما أشار إلى أن طهران قد تكون مهتمة باستكشاف وسيلة يمكن أن تؤدي إلى تسوية.
ورأى الدبلوماسي الأميركي المخضرم أن الولايات المتحدة لديها مصالح مهمة على المحك في سوريا، بما في ذلك فرصة لتحويل هذا البلد المحوري في الشرق الأوسط من «وكيل لإيران التي ترعى الإرهاب» إلى صاحب مصلحة من الاستقرار الإقليمي. وحذر من أنه في حال انحدار سوريا الى الفوضى، فإن إيران وغيرها من الجهات الفاعلة ستكون لديها القدرة على التكيف على نحو أفضل في مثل هذه البيئة.
واتهم زاده الادارة الأميركية بأنها حتى اللحظة سلبية جداً، ولا سيما في رفضها تقديم الأسلحة وأنواع المساعدة الفتاكة للمعارضة، متحدثاً عن أربعة بواعث للقلق تقود هذه السياسة.
أولها خشية الادارة من أن تقديم مساعدة فتاكة قد يضع الولايات المتحدة على منحدر زلق للتدخل العسكري.
ثانياً، لفت إلى أن الإدارة الأميركية تخشى من أن خطوات أقسى قد تؤدي إلى جعل روسيا أقل تعاوناً، ليس فقط في الملف السوري، بل أيضاً في عدد من الملفات الأخرى، التي تشمل البرنامج النووي الإيراني، كما تخشى الادارة الأميركية من استفزاز ايران بما يؤدي للرد على المصالح الأميركية في أي مكان آخر في المنطقة.
أما مصدر القلق الثالث، فأشار زاده إلى أن منبعه خوف واشنطن من أن تلام في حال انتقال الأسلحة إلى دول الجوار، فضلاً عن خشيتها من أن تتحمل بعض المسؤولية إذا استخدم المتمردون الأسلحة الأميركية ضد المدنيين من الطائفة الأخرى، في إشارة إلى العلويين.
وشدد على أن أفضل أمل يتمثل في نقل الولايات المتحدة شحنات الأسلحة وتوجيهها إلى المعتدلين، الذين يسعون إلى سوريا شاملة ومتسامحة.
أما المحرك الرابع لهذه السياسة، فهو وجود اعتقاد لدى الإدارة بأن الوضع الراهن سوف يتيح على الأرجح الظروف الملائمة للتوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض.
لكن زاده حذر من وجود مشاكل خطيرة تواجه هذا الطرح. ونبه من أن الاعتقاد بأن التسوية سوف تتأتى وسط استمرار القتال، خيالي، فضلاً عن أنه قد يستغرق وقتاً طويلاً في حال تحققه.
وشدد على أن المزيد من إراقة الدماء والوحشية يؤدي إلى تصلب المواقف والقتال حتى الموت، عوضاً عن إنتاج فرصة للتوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض.
وأوضح أنه يمكن الفوضى خلق فرص لتنظيم القاعدة والإسلاميين ليشقوا طريقهم بين السكان المحليين، فضلاً عن أن استمرار الصراع في سوريا من شأنه أن يؤدي إلى تنامي التطرف وإلى تفكك المؤسسات.
(الأخبار)