نشرت صحيفة هآرتس فحوى وثائق سرية أميركية أميط اللثام عنها الأسبوع الماضي تسلط الضوء على الجولات المكوكية التي أجراها وزير الخارجية الأميركي الأسبق، هنري كيسينجر، بين القاهرة وتل أبيب في ربيع 1975، محاولاً التوصل إلى اتفاق مرحلي بينهما في أعقاب اتفاق فصل القوات في عام 1974.
وتروي الوثائق، التي تتضمن 1100 صفحة، فصولاً من السياسة الشرق أوسطية للإدارة الأميركية عموما بين عامي 1974 و1976 في عهدي كل من الرئيس ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد. وأبرز ما تكشفه الوثائق تعهد تقدم به الرئيس المصري، أنور السادات، بعدم المشاركة في أي حرب أو أنشطة عسكرية سورية ضد إسرائيل، بل وبعدم اتخاذ أي إجراء ميداني رداً على مبادرات عسكرية إسرائيلية ضد «عمليات إرهابية» على الجبهة الشمالية مع كل من سوريا ولبنان. كما تكشف الوثائق عن تأثر السادات إلى حد دمعت فيه عيناه برسالة شخصية وجهها له رئيس الوزراء الإسرائيلي في حينه، إسحق رابين، يعرب فيها عن رغبته بالسلام.
ويروي كيسينجر كيف أنه في إحدى المحادثات مع الرئيس المصري، أنور السادات، وبعدما خرج وزير الخارجية المصري، إسماعيل فهمي، ووزير الدفاع، عبد الغني الجمسي، من الغرفة، فاجأ السادات بإعطائه رسالة شخصية من رابين. ويوضح وزير الخارجية الأميركي، في برقية أرسلها للرئيس الأميركي في اليوم التالي، كيف أن الرسالة «التي أعدت بتوصية مني، وأعرب فيها رابين بلغة إنسانية جداً عن رغبته القوية في إنجاز اتفاق سلام مع السادات، أثارت انفعال الرئيس المصري وهو قال إنه طالما رغب بذلك».
وفي مضمون الرسالة، قال رابين إنه يعلم أن «ما من اتفاق ممكن من دون قرارات حاسمة وصعبة، إلا أني مستعد لمواجة قرارات كهذه من أجل السلام بين بلدينا» وأضاف أنه من أجل الاقتناع بالحاجة إلى اتخاذ قرارات حاسمة، ينبغي للشعب الإسرائيلي أن يرى أن «خطوة الانسحاب تشير إلى بداية تقدم نحو السلام، في الأعمال والأقوال التي تظهر النية للسلام».
غير أن دموع السادات، بحسب «هآرتس»، لم تكن ذات جدوى. فرابين كان عديم القوة في مواجهة معارضيه في الحكومة والكنيست، ما أدى إلى فشل مهمة كيسينجر. وعزا الأخير فشل مهمته بالدرجة الأولى إلى «ضعف الإسرائيليين وقلة خبرتهم السياسية ونزاعاتهم الداخلية». بل إنه وصف في إحدى الوثائق الإسرائيليين بـ«الخونة والأنذال الصغار» الذين أوهموه بأن هناك ما يستحق القدوم من أجله إلى المنطقة وأغووه، بسوء نية أو استخفافاً، ببذل هيبته في إجراء عبثي.
يشار إلى أنه في أعقاب هذه الجولة من المحادثات، أعلنت إدارة الرئيس فورد سياسة «إعادة النظر» في العلاقات مع إسرائيل وأرفقتها بجملة إجراءات ضاغطة على الدولة العبرية أفضت بعد خمسة أشهر إلى خضوعها والموافقة على تقديم تنازلات تتعلق بخط الانسحاب الميداني من سيناء.
وبين الأسرار التي تكشف عنها الوثائق المفرج عنها تقديم مصر تعهداً بعدم الانضمام إلى سوريا في أي حرب ضد إسرائيل. ففي اللقاء الذي جمع السادات بالرئيس فورد في النمسا، قال له، بحسب إحدى الوثائق، «إذا أرادت سوريا، فلتحارب وحدها». وفي وقت لاحق تحولت هذه المقولة إلى اتفاق ثلاثي أميركي مصري إسرائيلي من خلال رسالة جانبية سرية أرسلها فورد إلى رابين على هامش توقيع الاتفاقية المرحلية في مطلع أيلول 1975.
ولكي يُبقي الرئيس الأميركي على سرية هذا التعهد ويتهرب من واجب إطلاع الكونغرس على مضمون الرسالة، تم توقيعها من قبل جوزف سيسكو، نائب كيسينجر، والسفيرة الإسرائيلية في واشنطن، سمحا دينيتس. ووفقاً لهآرتس، فإن الرسالة فهمت على أنها إطلاق ليد إسرائيل بالرد ضد المنظمات الفلسطينية التي عملت في لبنان، وبذلك فككت الجبهة الشرقية لأن سوريا لم تكن لتخرج لحرب ضد إسرائيل من دون مصر.