التوتر الخليجي ـــ الإيراني في أوجه، لم يتحول الى مواجهة مباشرة بعد، لكنه يخوض حرباً بالوكالة على أرض سوريا وتحت سمائها. سبب كاف لعدم حصول أي انفراج في أزمة البحرين، حيث وقعت أولى المواجهات عقب اندلاع انتفاضة 14 شباط 2011. عدم حصول انفراجات في الأزمة يتبلور في قرار محكمة الاستئناف البحرينية، أمس، الذي أيّد أحكام السجن التي تصل الى المؤبد بحق 13 قيادياً في المعارضة، بينهم الأمين العام لحركة «حق»، الشيخ حسن مشيمع، والأمين العام لجمعية «وعد» اليسارية، ابراهيم شريف، وزعيم حركة «وفا» عبد الوهاب حسين، إضافة الى الناشط الحقوقي البارز، عبد الهادي خواجة.

ومن المعروف أن قضية رموز المعارضة هي قضية سياسية بامتياز، وأغلب الذين تعتقلهم السلطات ضمن الخلية سبق أن اعتقلوا مرات، وللأسباب نفسها، وصدرت بحقهم أحكام أشدّ قساوة، ثم ما لبث أن أُفرج عنهم نتيجة ضغط الشارع، هذا ما يؤكّده لـ«الأخبار» محامي الدفاع عن المتهمين، محمد التاجر.
مراقبة الأحداث الأخيرة في الأرخبيل، وما جرى من لقاءات بين وفود للمعارضة، وفي المقدّمة أكبر جمعياتها «الوفاق» الوطني الإسلامية، كان يُوحي بإمكان حصول فجوة ما في الأزمة، ربما عبر حلّ مسألة رموز المعارضة، لكن قرار محكمة الاستئناف نسف هذا الاحتمال. ويقول التاجر، في هذا السياق، إن وفد جمعية «الوفاق» حين التقى وزير العدل ونائب رئيس الحكومة، أوضح بأن السلطة لم تعرض أي جديد، وأنها لا تزال تضع العراقيل والشروط في وجه أي حل.
وعلّل التاجر موقف السلطة هذا بأنها تريد أن تبين للعالم بأنّها تتقدّم في الإصلاحات والحوار، بغرض تحسين صورتها، ولا سيما مع اقتراب موعد جلسة مجلس حقوق الإنسان في 19 من الشهر الجاري في جنيف. لذلك، فإن الاجتماعات الأخيرة بين وفود من المعارضة وأركان من السلطة لم تكن إلا استعراضاً «لذلك لا نفاجأ بتثبيت الأحكام».
التاجر عرض السبب الرئيسي في عدم حصول أي انفراج في الأزمة، وهو استمرار سيطرة الجناح المتشدد على السلطة. وهذا ليس تحليلاً من قبله، بل ما أكّدته مجموعة من الدبلوماسيين الأميركيين، اجتمعت معه ومع آخرين أخيراً، وقالت لهم إن «جناح المتشددين هو الذي يعرقل أي حلّ».
المعارضون الـ 13 الذين صدرت الأحكام بحقهم، هم ضمن مجموعة تضم 21 معارضاً بارزاً، بينهم سبعة تمت محاكمتهم غيابياً، ضمنهم الأمين العام لحركة أحرار البحرين، سعيد الشهابي.
وبحسب النيابة العامة، فإن الأحكام الصادرة ضد المتهمين تتعلق بقضية «مؤامرة قلب نظام الحكم والتخابر مع جهات أجنبية وانتهاك أحكام الدستور». وكانت لافتة الإشارة الى إيران وحزب الله بوضوح هذه المرّة، حيث قالت النيابة العامة إنه «ثبت يقيناً من الحكم الصادر علاقة بعض المتهمين وسعيهم وتخابرهم مع منظمة خارجية وهي حزب الله الذي يعمل لمصلحة إيران».
وقالت إن المحكمة وفّرت جميع ضمانات المحاكمة العادلة وذلك من خلال توفير هيئة دفاع اختارها المتهمون، مكونة من 17 محامياً، وجلسات علنية بحضور دبلوماسيين، ومنظمات حقوقية، مشيرة الى أن «للمتهمين كامل الحق في اللجوء الى محكمة التمييز للطعن في هذه الأحكام».
لكن محامي الدفاع نفى عدالة المحاكمة، وقال إن الرموز انسحبوا من هذه المحاكمة لأنهم يدركون أنه لا جدوى منها، وإن المحكمة «لم تستمع لأي دفاع، ولم تسقط أقوال المتهمين تحت التعذيب». وأضاف إن المحكمة أسقطت عن كل متهم تهمة واحدة، وأبقت على بقية الاتهامات، بشكل لا يؤثر على العقوبة السابقة، بغرض تثبيتها. وخلص الى أنّ هذه المحاكمة سياسية ولا داعي للتمييز، لأن الحلّ لن يكون إلا سياسياً. كما أنه لم يؤكّد أو ينفي إمكان اللجوء الى محكمة التمييز لنقض حكم الاستئناف.
من جهته، اعتبر الأمين العام لجمعية «الوفاق»، الشيخ علي سلمان، أن الحكم الصادر بحق الرموز وقادة المعارضة هو «حكم باستمرار الثورة مدة هذا الحكم»، مشدداً على أن «أحكام اليوم اضطهاد سياسي وعدالة زائفة ويوم أسود للعدالة في البحرين». وقال على صفحته في موقع «تويتر»: «لن يهدأ لنا بال ولن يقر لنا قرار والرموز في المعتقل».
بدوره، علق علي مشيمع، أحد المحكومين غيابياً في الخلية، وابن القيادي حسن مشيمع، على الحكم لـ«الأخبار»، بالقول إن «قرار المحكمة لا يعنينا، فالمجموعة تستحق الحرية، وعلى من عذب أفرادها وحاكمهم أن يحاسب». وأضاف «أهون علي أن أسمع خبر استشهاد والدي من سماعي طريقة انتهاك كرامته».
وأكد مشيمع أنه صحيح أن التعذيب قد توقف، لكنه «لا يُنسى. ومن يتحمل مسؤوليته ليس أفراد الشرطة والضباط العاديون، بل رأس النظام الخليفي». وشدد على أن «هذا النظام غير قابل للإصلاح. وقضيتنا ليست رموز المعارضة، وإنما قضية حقوق شاملة. ونحن لا نقبل المساومة على قضيتهم من أجل الدخول في حل سياسي». وأشار الى ما ورد في اعترافات المتهمين حول اقتيادهم الى مكان مجهول، حيث التقوا برجل قدم نفسه على أنه صقر آل خليفة، وقال إنه مبعوث من قبل الملك حمد إليهم، وطلب منهم تقديم اعتذار مصور، لكنهم رفضوا هذا الابتزاز.
ومن المعروف أن قضية رموز المعارضة تعتبر بنداً أساسياً ضمن أي برنامج للمصالحة الداخلية، ويمكن بالتالي أن تعدّ مقياساً لمدى تقدّم هذه المصالحة، وبما أن الاستئناف قرّر الإبقاء على الحكم السابق، فإنّ هذا يعني شيئاً وهو أن أزمة الأرخبيل الصغير لا تريد أن تنفرج، وتصرّ على المراوحة مكانها. السبب القريب والبعيد لهذه النتيجة، هو الوضع الإقليمي المتوتر. ولعلّ ما جاء في حيثيات قرار المحكمة حول العلاقة مع حزب الله وإيران، يصب في هذا الاتجاه ذلك.