مَن كان من المحللين الأميركيين يطالب بتدخل عسكري أميركي في سوريا قال إنه الوقت الأفضل لشنّ الهجوم، على قاعدة أن الحادثة الأخيرة أثبتت أن بشار الأسد لا يهزم سوى بالقوة. ومن كان ضد التدخل العسكري دعا المعارضة لاستغلال الفرصة الذهبية ورصّ صفوفها والتنسيق مع الخارج للإعداد لمرحلة ما بعد سقوط الأسد. أما الحديث الأكثر تداولاً فهو عن الأسلحة الكيميائية التي تمتلكها سوريا والتحذير من استخدامها والخشية على مصيرها في حال تفاقم الأوضاع ميدانياً.

وهذا الكلام يذكّر بنفس الإنذارات التي أطلقها الاعلام الاميركي في حشد الحملة ضد نظام معمر القذافي في ليبيا العام الماضي، فيما راح البعض يرسم خريطة تقسيمية لسوريا حسب فرز مذهبي بحت.
أما الأصوات المغرّدة خارج السرب، فلفتت إلى أن التفجير هو شبيه بأسلوب تنظيم «القاعدة»، وسألت لماذا لم تسارع الولايات المتحدة وبريطانيا إلى إدانته.؟ ومن بين تلك الأصوات من لام الادارة الاميركية على تسليح مجموعات سورية ستقلب سوريا الى عراق ثان غارق في الحروب الاهلية الدامية.
«نهاية الحلّ السياسي» في سوريا، هو عنوان مقال مايكل ويس في مجلة «فورين بوليسي». الصحافي الأميركي يقول إن الحادثة الاخيرة تثبت أمرين: الأول أن الثورة باتت، حرفياً، على أبواب بشار الأسد. والثاني أن عمل الدبلوماسيين ليس نافعاً بشأن سوريا.
ويس هو من بين مجموعة الصحافيين الذين نعوا الحلول الدبلوماسية. الصحافي وصف رؤساء كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا «كمن يعيش في وهم أن الحل السياسي لا يزال وارداً في سوريا». وأضاف «إما أنه ضرب من الخيال أو أنه لا أحد يرغب فعلياً في حل الأزمة السورية». ويس يختم بما قاله له بعض المتمرّدين الذين التقاهم في ندوة تدريبية حول صنع القنابل في إسطنبول إنه «حتى لو غادر الأسد السلطة فسنظل نقاتل لأن مؤسسات نظام الإرهاب ستبقى». وعن حادثة التفجير، ذكّر ويس بما قالته شخصية مايكل كورليونيه في فيلم «العرّاب»، «إن علّمنا التاريخ شيئاً فهو أنه بإمكانك أن تقتل أياً كان».
المدير التنفيذي لـ«معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، روبرت ساتلوف، رأى أن التفجير الأخير «يفتح مرحلة جديدة وربما مصيرية في الحرب الأهلية الدائرة بين النظام السوري والمعارضة المشتتة لكن القوية». لذا، حسب ساتلوف، «يجب على واشنطن أن تستغل هذا التحول في الأحداث لتنتقل من الجدال في الامم المتحدة بشأن التمديد لمهمة كوفي أنان الى الضغط من أجل رحيل الأسد، بينما تعمل على تفادي الفوضى والحرب الإثنية الدموية وسيطرة الجهاديين».
ساتلوف تحدّث عن أهمية الاستهداف الذي طاول المسؤولين السوريين. وقال إن ذلك «سينعكس عملانياً ونفسياً على مسار الأحداث، مع احتمال أن يجد النظام صعوبة في تنفيذ عملياته في أرجاء البلد». المحلل الاميركي رأى أن «النظام سيجد صعوبة في إعادة بناء تركيبة سياسية في ظل الانشقاقات المتزايدة في صفوف الجيش والمسؤولين». وفي هذا الوقت، ينصح ساتلوف المعارضة السورية المسلحة بـ«خلق مناطق آمنة في أماكن مختلفة من البلد أو حتى القيام بفعل حاسم تجاه الأسد».
ساتلوف يقترح بعض الخطوات التي يجب أن تنفذها واشنطن فوراً، ومنها أن تعرض على الأسد الرحيل الى منفى والا فسيواجه مصير صدام حسين أو معمر القذافي، والاتفاق مع قادة المعارضة السورية المدنية والمسلحة ومع تركيا والسعودية وغيرها على مخطط يشمل تأليف حكومة انتقالية، تنسيق عالي المستوى بين المسؤولين العسكريين أو الأمنيين الاميركيين مع مسؤولي الدول المجاورة مثل تركيا والعراق والاردن ولبنان وإسرائيل لردع الأسد عن الإقدام على أي مغامرة خارجية كفرصة خلاص أخيرة... ساتلوف يخلص الى حث الولايات المتحدة على «تطبيق الدروس الصعبة والمؤلمة التي تعلمتها من تجارب الانتقال السياسي الأخيرة في باقي الدول العربية فترسم المرحلة المقبلة في سوريا وفقاً لمصالحها».

CIA وموساد

عن رعاية إدارة باراك أوباما لمرحلة انتقالية في سوريا تبعد الأسد وتحافظ على سلطة الدولة، تحدّث دايفد إغناتيوس في «ذي واشنطن بوست» قائلاً «إن المسؤولين الاميركيين يسعون للخروج من الأزمة السورية المستفحلة بطريقة تتفادى ما حصل في العراق بعد سقوط نظام صدام». إغناتيوس ينقل عن مصدر مسؤول قوله إن «كل أجهزة الاستخبارات تعمل حالياً لكسب اللعبة في ظل الفوضى القائمة». ويكشف المصدر أن «وكالة الاستخبارات المركزية» عملت مع المعارضة السورية المسلحة كما الاستخبارات الاسرائيلية على الحدود والتي تنشط من دون لفت الأنظار.
أمر آخر يجب على الـ«سي آي إي» التنبّه إليه، يقول الصحافي، وهو مدى تغلغل «القاعدة» في المعارضة المسلحة. وهنا يقول إغناتيوس إن «بعض قادة المعارضة المسلحة وعدوا الـ«سي آي إي» بالتخلص من القاعدة بعد إسقاط الأسد»، «هو أمر مطمئن»، يعلّق إغناتيوس. خطر الأسلحة الكيميائية حضر في مقال الـ «بوست» كما في معظم المقالات الأخرى، إذ شدد الصحافي على «ضرورة ألا تسمح واشنطن للأسد باستخدامها ضد شعبه وأن تمنع وقوعها بين أيدي المقاتلين المتطرفين في صفوف المعارضة». أما عن التنسيق مع روسيا، فينقل إغناتيوس تحذيرات مطّلعين من أنه «مع ازدياد حدّة العنف في سوريا فإن باب الجهود الدولية الناجعة سيقفل».

يوغوسلافيا؟

الحديث عن المعارك المذهبية التي ستنشب الآن في سوريا، وعن إمكانية احتماء الأسد في المناطق العلوية ما سيمهد لتقسيم دموي في البلد، برز في جلسة حوار نظمها معهد «بروكينغز» وفي مقال طوني كارون، في مجلة «تايم». مايكل دوران وكينيث بولاك في نقاش «بروكينغز» شرحا أن وصول المتمردين المسلحين الى دمشق سيزيد كثيراً من عجز الجيش السوري الذي سيتحول الى «ميليشيا علوية مسلحة، ستلجأ الى المناطق العلوية». لكن، يضيف المحللان، الجيش السوري سيقاتل بشراسة في دمشق ما ينذر بطول أمد المعارك وتصاعد عنفها.
سلمان شيخ رأى، من جهته، أن «العلويين لن يحموا الأسد حتى النهاية»، وسيدركون أنهم لن يستطيعوا تأمين ملجأ آمن لعائلة الأسد في الجبال أو في اللاذقية مثلاً. محلل «بروكينغز» يقول إن أحد أكبر المؤشرات على انهيار النظام سيكون في رحيل محمد ناصيف، «عرّاب» النظام الأمني في سوريا. أما كارون، فيسأل في «تايم»، «هل ستشهد سوريا على انفصال على طريقة يوغوسلافيا؟». كارون ينقل عن محللين نظرية تقول إن مؤيدي الأسد سيستسلمون في النهاية لفكرة أنهم لا يستطيعون السيطرة على كامل الاراضي السورية. لذا، يرى هؤلاء أنه «يمكن نشوء دولة علوية رديفة مدعومة من روسيا على الساحل السوري». أما السيناريو الثاني، حسب كارون، فهو «غرق سوريا في حرب أهلية طويلة كالتي شهدها لبنان». أما الرأي الثالث الذي يعرضه كارون في مقاله فهو لجوشوا لينديس الذي يحسم بالقول: «إذا خسر النظام دمشق، ينتهي». كارون يختم مقاله بالقول إنه «كما يوغوسلافيا، خلقت القوى الغربية المنتصرة في الحرب العالمية الأولى سوريا. وهي تسعى اليوم جاهدة لاستعادتها». افتتاحيات «ذي نيويورك تايمز» و«ذي واشنطن بوست» عقب تفجير دمشق أجمعت على أن من المبكر الحديث عن ضربة قاضية للنظام السوري أو تحول جذري لمصلحة المعارضة «ما دام الأسد هنا». الصحيفتان هوّلتا من خطر الأسلحة الكيميائية، فيما لفتت «ذي واشنطن بوست» الى «خوف إسرائيل من الأمر» وضرورة أن تردع من ارتكاب أي هجوم أحادي.



«هل قلتَ تفجيراً انتحارياً؟»

روبرت دريفوس على مدوّنته في صحيفة «ذي نايشن» الأميركية، تحدّث عن الغياب اللافت لتعليقات المسؤولين الاميركيين والبريطانيين والفرنسيين على الأسلوب «القاعدي» في تفجير دمشق الأخير، أو إدانته، «كما يفعلون عادة». «بنظر واشنطن وباريس ولندن يبدو التفجير الانتحاري سيّئاً للغاية في معظم الأحيان، لكن ليس إن وقع في سوريا» يقول دريفوس. ويتابع، «لم يكثر الكلام عن تورّط الولايات المتحدة في أحداث سوريا، لكني أراهن على أن واشنطن كانت تسلّح وتدعم الجيش السوري الحر الذي تبنّى عملية تفجير مبنى الأمن القومي وقتل المسؤولين». دريفوس يقول إن التفجير الاخير «قد يقلب موازين القوى باتجاه انهيار النظام أو قد لا يفعل، لأن حكومة الأسد لا تزال متماسكة حتى الآن». لكن دريفوس حذّر من انتقال الاشتباكات الى العاصمة دمشق وازدياد عدد المنشقين،.