تونس | للمرّة الأولى، يحتفل التونسيون بشهر رمضان تحت حكم ائتلاف تسيطر عليه حركة «النهضة» الإسلامية. تساؤلات عدّة تدور في الخواطر، كيف ستتعامل الحركة الإسلامية مع شهر الصيام، وتحديداً مع المفطرين فيه؟ وفي هذا الإطار يخشى التونسيون من تضييقات على حريات المواطنين الذين اعتادوا عدم الالتزام بفريضة الصوم. ورغم أنّ وزارة التجارة لم تكن قد أصدرت أي قرار بإغلاق المقاهي خلال شهر رمضان حتى كتابة هذا التقرير، فإن الكثيرين يتوقعون ضغوطاً من أنصار التيار السلفي وقواعد حركة «النهضة» لدفع الحكومة الى اتخاذ قرار بإغلاق المقاهي احتراماً لشعائر المسلمين الذين يشكلون غالبية البلاد.
وقد بادر رئيس الجمعية الوسطية للتوعية والإصلاح، عادل العلمي، الذي غير اسم الجمعية بعدما كانت جمعية «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، الى تحذير المفطرين من المجاهرة بالإفطار، وهو ما يعني عملياً الدفع في اتجاه إغلاق المقاهي، التي كانت تفتح أبوابها في رمضان في المدن الكبرى خصوصاً، مع استعمال ستائر من القماش أو من الورق بالنسبة إلى المقاهي ذات الواجهات البلورية وغلق الأبواب، وهو سلوك اعتاده التونسيون منذ أن اختار الراحل محمد مزالي التحالف مع الإسلاميين عندما كان وزيراً أول، والاقتراب من الخليج العربي، وذلك عبر التضييق على المقاهي والمطاعم في رمضان.
وكانت هذه المقاهي والمطاعم تفتح أبوابها بنحو عادي جداً في الستينيات والسبعينيات، بل كانت حتى الحانات تعمل في رمضان حتى أواخر السبعينيات، حيث بدأ تنامي المدّ الاسلامي، ناجحاً في فرض أنماط جديدة من السلوك في الشارع التونسي.
شهر رمضان هذا العام إذن سيكون اختباراً لمدى التزام حركة «النهضة» بما قطعته من وعود باحترام النمط التونسي الذي يتيح الحرية للتونسيين في أن يصوموا أو يفطروا في اطار احترام الحريات. على اعتبار أن الشعائر الدينية مسألة شخصية وقد جاء ذلك في القرآن الكريم «كل نفس بما كسبت رهينة».
وفي ظل هذه المخاوف، يحضر الى أذهان التونسيين عندما دعا مؤسس الجمهورية وزعيم الاستقلال الرئيس الحبيب بورقيبة التونسيين مطلع الاستقلال الى الإفطار في رمضان في تحدٍّ واضح للسلطة الروحية، التي كان يمثلها الجامع الأعظم (الزيتونة) وشيوخه، وقد لاقت آنذاك دعوته تلك استهجاناً في الشارع
التونسي.
اليوم يحتفل التونسيون برمضان تحت سلطة حكومة تترأسها حركة «النضهة».
ويتوقع أن ترزح هذه الحكومة بين ضغط قواعدها الذين يريدون تجسيد الشعارات الاسلامية للحركة في حدها الأدنى، مثل إغلاق المحلات في رمضان، والذين يمكن أن تستقطبهم حركات اسلامية أخرى مثل حزب «التحرير» وحزب «الاصلاح» السلفي، وبين ضغط الالتزامات التي قطعتها على نفسها ومع شركاء تونس الأوروبيين، وخصوصاً في مسألة احترام الحقوق والحريات الدينية.
ويعتقد الكثيرون أن شهر رمضان سيحدد بقدر كبير علاقة حركة «النهضة» مع إرثها كحركة دعوية تدعو الى أسلمة المجتمع من جهة، ومع المحيط الإقليمي والدولي من جهة ثانية، فكيف ستتعامل الحكومة مع المفطرين في شهر الصيام؟