مخيم اليرموك | «اشتعل المخيم... وتحولت شوارعه إلى بركان بشري غاضب»، بهذه العبارة لخّص أبو نضال، صاحب بسطة لبيع الخضر، الواقع الذي بات يعيشه مخيم اليرموك في الأيام الأخيرة الماضية، وتداعيات أحداثه الدموية المستمرة. يعيش سكان المخيم، الواقع جنوب العاصمة دمشق، حالة من التصعيد الشعبي الواضح على أثر مواجهات دامية، بعدما خرج شباب المخيم في تظاهرة غاضبة مساء يوم الخميس الماضي، تعبيراً عن رفضهم وغضبهم لاختطاف 17 مجنداً من جيش التحرير الفلسطيني، وقتلهم بدم بارد بالقرب من مدينة إدلب السورية. ما لبثت أن تطورت أحداث التظاهرة عندما حاول عناصر من الأمن السوري بالتعاون مع عناصر من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين _ القيادة العامة السيطرة على الموقف، خوفاً من خروج التظاهرة عن حدود السيطرة والمساحة المسموح بها. «لا نعرف من بدأ بإطلاق النار فعلاً، لكن الذي شاهدته بأم عيني أن الرصاص ازداد بشكل تدريجي، سقط على أثره العشرات من المتظاهرين بين قتيل وجريح، عندها ارتميت على الأرض بجانب صناديق الخضر، خوفاً من الإصابة»، يروي أبو نضال. وسقط في هذه الحادثة 9 شهداء وعشرات الجرحى بالرصاص الحي، «الذي وجّه إلى رؤوس المتظاهرين وصدورهم بقصد القتل العمد»، كما أكد جهاد، الطالب الجامعي الذي شارك في التظاهرة. حكاية الرعب والموت الفلسطيني لم تتوقف عند هذا الحد، فأبناء الشعب الفلسطيني الذين اعتادوا تحويل جنازات شهدائهم إلى أعراس حقيقية، لأصحاب النعوش التي يزفونها في شوارع مخيمات شتاتهم، احتشدوا عند ظهيرة يوم الجمعة الماضي، بالقرب من جامع فلسطين، في انتظار وصول نعوش الشهداء التسعة للصلاة عليهم وتشييعهم كالمعتاد، لكن حساسية الموقف فرضت على أهالي الشهداء الاستجابة لتعليمات الأمن السوري، ودفن أبنائهم في الصباح الباكر، من دون أي مظاهر تشييع تذكر، فيما تحولت الجموع المحتشدة إلى بركان غضب حقيقي، عندما انقلب عرس الشهادة الذي كانت تنتظر إحياءه إلى تظاهرة غاضبة استمرت من الساعة الـ11 ظهراً حتى الساعة الـ12 ليلاً، لم يشهد المخيم مثيلاً لها منذ تشييع الشهيد أبو جهاد «خليل الوزير» عام 1988، ولم يوفر فيها شباب المخيم شتيمة أو صيحة معادية للنظام السوري.
في الأيام التالية لخروج التظاهرة الكبرى التي تجاوزت في غضبها وحدتها وشعاراتها مجمل تظاهرات الشارع السوري المنتفض، عاش المخيّم حالة هدوء نسبي. وجرت محاولات محمومة وحثيثة لتهدئة الأوضاع، قامت بها كوادر قيادية في العديد من فصائل المقاومة الفلسطينية ومنظماتها. وقدّم أحد كوادر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، شرحاً مفصلاً للواقع السكاني والديموغرافي للمخيم، قائلاً «لم يعد المخيّم تجمعاً فلسطينياً مغلقاً على نفسه، هناك بعض المناطق في المخيم تتجاوز نسبة سكانها 75% من إخوتنا السوريين. تحوّل المخيم الآن إلى نموذج واقعي لحالة التعايش والحياة المشتركة التي تجمع اللاجئين الفلسطينيين مع إخوتهم السوريين». وأشار المسؤول الفلسطيني إلى حالة التداخل العمراني بين المخيم والمناطق المحيطة به، إذ «توسعت الأبنية السكنية في المخيم والمناطق المجاورة له، مثل التضامن، الحجر الأسود، يلدا، وغيرها، حتى غابت الحدود الفاصلة بينها جميعاً. من الصعب حقاً الآن حصر التظاهرات الاحتجاجية أو أحداث الشغب والتجاوزات الأمنية في منطقة محددة، كما حصل في الأيام القليلة الماضية»، في إشارة واضحة إلى الحملة الأمنية الواسعة التي تقوم بها وحدات من الجيش السوري، والتي لا تزال مستمرة حتى اليوم، على الأحياء المحيطة بمخيم اليرموك.
لكن المواجهات انتقلت إلى شوارع المخيم، عندما حاول بعض عناصر «الجيش السوري الحر» الهرب من القصف العنيف والاحتماء لدى سكان المخيم، من فلسطينيين وسوريين على حد سواء. وكالعادة، رافقت العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش السوري، بهدف القضاء على عناصر الجيش الحر والعصابات الإرهابية، ضمن المناطق السكنية، مأساة إنسانية حقيقية، عندما حاول السكان المدنيون الهرب من مناطق الاشتباكات.
جولة قصيرة في أزقة مخيم اليرموك البعيدة عن مناطق التوتر الأمني تسجّل حركة نزوح كبيرة لأسر فقيرة تمكنت من تجاوز خطوط النار. هذا ما دفع سكان المخيم إلى فتح بيوتهم لاستقبال إخوتهم السوريين، كما فتحت معظم مدارس المخيم أبوابها أيضاً لاستقبال النازحين من مناطق القصف، «ربما هو قدر أحمق فعلاً، أن تتحول المناطق الفقيرة في سوريا فقط إلى ساحات حرب حقيقية»، يقول أحد النازحين من منطقة التضامن الفقيرة إلى مخيم اليرموك. ولدى سؤاله عن طبيعة المعركة الدائرة قرب منزله، أدرك أنه يدلي بتصريح إلى الصحافة، ففضّل التزام الصمت نتيجة خوف لم يجد له تفسيراً مقنعاً. «نحاول دائماً إقناع أبناء المخيم وشبابه بالبقاء على الحياد، وعدم التدخل في الشأن السوري، لكن لا نستطيع في الوقت نفسه منع إخوتنا السوريين من سكان منطقة الحجر الأسود أو التضامن وغيرها من التظاهر السلمي على أرض المخيم. في النهاية هذه الأرض أرضهم، ونحن ضيوف عندهم»، يتابع القيادي في الجبهة الشعبية. ويضيف «لدي معلومات مؤكدة أن شباباً سوريين من سكان الحجر الأسود نجحوا في استغلال اندفاع شباب مخيمنا وغضبهم، وبالتالي تحويل التظاهرة التي خرجوا فيها الخميس الماضي للتعبير عن غضبهم لمقتل 17 مجنداً من إخوتهم، إلى تظاهرة مناهضة للنظام السوري».
ليست هي المرة الأولى التي يشهد فيها مخيم اليرموك أحداثاً أمنية، إذ وقعت عمليات اغتيال منظمة في الأشهر الماضية، طاولت بعض عناصر جيش التحرير الفلسطيني وضباطه، بطرق مختلفة، «ربما هي محاولة واضحة لتوريط اللاجئين الفلسطينيين في الأزمة السياسية السورية»، يروي أنيس، الصحافي الفلسطيني. ويضيف «من الغريب حقاً اتهام الفلسطيني بالعمالة والخيانة ونكران الجميل إن قدّم رأياً أو شهادة تتعارض مع اقتناعات أطراف الخلاف في سوريا، من الموالاة أو المعارضة». وأبدى أنيس تخوّفه وقلقه من الأجواء المشحونة التي يعيشها مخيم اليرموك، «يُقتل أبناء الشعب الفلسطيني أينما وجدوا، ويتفاخرون أيضاً باستشهادهم برصاص جنود الكيان الصهيوني، كما حصل العام الماضي على أرض الجولان السوري المحتل، في ذكرى النكبة. لكن من الصعب، بل من المستحيل، تقبّل استشهاد شاب فلسطيني واحد برصاص الأمن السوري، وإن حدث ذلك بطريقة غير مقصودة». ويلفت إلى أنّه «ليست هذه المرة الأولى التي يستثمر فيها نظام عربي القضية الفلسطينية لتحقيق مكاسب سياسية، تدعم وجوده وتؤيد موقفه. شبعنا متاجرة بقضيتنا ودمائنا»، مؤكداً على «حالة التآخي والحياة المشتركة التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون مع إخوتهم السوريين في مخيم اليرموك».
16 تعليق
التعليقات
-
اناشد كل الفلسطين في سوريااناشد كل الفلسطين في سوريا عدم تتدخل بشان السوري لان الفلسطيني سوف يدفع الثمن نحن مع الشعب السوري ومع القيادة السورية نتمنى الخير لسوريا والله يحميها
-
منذ اسابيع هناك محاولات لجرمنذ اسابيع هناك محاولات لجر المخيمات الى التصادم مع الدولة السورية تم افشال المحاولات الشهر الماضي بعد خطف فتاة من المخيم الحجر الاسود بؤرة فساد منه انطلقت شرارة جر المخيم الى الفتنة وهناك تداخل حقسقس بين المخيم والحجر والقدم والتضامن
-
فليقبل الفلسطينيون الانخراطفليقبل الفلسطينيون الانخراط بالمؤامرة ليس غريبا عليهم لان محمود عباس و خالد مشعل فلسطينيين
-
عمو النظام السوري هو المسوولعمو النظام السوري هو المسوول عن مجزرة جيش التحرير
-
يرجى التدقيقولكن من خطف 17 مجنداً فلسطينياً في إدلب وصفاهم بدم بارد واستخدم الباص الذي كان يقلهم مع سائقه مكبلاً في عملية انتحارية اجبارية فاشلة ضد أحد حواجز الجيش السوري بحلب؟؟؟؟ اسألوا الصحافي الثائر ماجد كيالي والمفكر الثائر سلامة كيلة فهم أدرى بطريقة نقل "الحالة الثورية" السورية إلى المخيمات المخيمات الفلسطينية وكيفية استدراج المسلحين إليها؟؟؟ هؤلاء وأمثالهم هم من يتحملون مسؤولية الدم الفلسطيني والسوري في المخيمات وفي جوارها
-
يقتل القتيل ولا يمشي بجنازته فقطالجنود الفلسطينيين خطفوا في منطقة تسيطر عليها المعارضة المسلحة وهي المنطقة الممتدة بين قريتي اللطامنة ومورك في ريف حماه وتم تصفية جنود جيش التحرير في تلك المنطقة، أما الشيء الذي تغاضى عنه الكاتب هو أن سائق السيارة التي كانت تقل الجنود الفلسطنيين فقد قيده المسلحون بمقود السيارة وأرسلوه باتجاه حاجز للجيش السوري وعندما علم أنه ميت لامحالة أبت نفس الشهيد أبو العز سائق السيارة وهو من مخيم النيرب إلا أن يقابل وجه ربه بريئا من دم جنود الحاجز فأرسل إشارات ضوئية لعناصر الحاجز أن يبتعدوا ولما تأكد أنهم لم يفهموا اشاراته ركن سيارته جانباً وبعيداً عن الحاجز أكثر من 200 م مسلماً بقضاء ربه وقدره وليفجره القتلة الذين كانوا ورائه بالموتوسيكلات. وبقتل القتيل أنهت المعارضة الجزء اﻷول من مسرحيتها الدموية لتكملها في مخيم اليرموك عبر حشد جمهورها المتمركز بمحيط المخيم يلدا وببيلا والحجر والتضامن فيظهر قسرا عنوان المقال المخيمات ﻻعب جديد في اﻷزمة
-
وأبدى أنيس تخوّفه وقلقه منوأبدى أنيس تخوّفه وقلقه من الأجواء المشحونة التي يعيشها مخيم اليرموك، «يُقتل أبناء الشعب الفلسطيني أينما وجدوا، ويتفاخرون أيضاً باستشهادهم برصاص جنود الكيان الصهيوني، كما حصل العام الماضي على أرض الجولان السوري المحتل، في ذكرى النكبة. لكن من الصعب، بل من المستحيل، تقبّل استشهاد شاب فلسطيني واحد برصاص الأمن السوري، وإن حدث ذلك بطريقة غير مقصودة» لماذا أيُّها الأنس الذي تتكلَّم باسم الأنيس .. يتقبَّل الفلسطيني قتل 17 فلسطينيَّاً من قبل ما يسمى الجيش الحر ويحول غضبه على "النظام" السوري كما تسمونه .. وحقيقته "الدولة السورية"!! سؤالٌ لك أيّها الأنس زرزر ولا داعي لعباراتك .. رفض الكشف عن إسمه .. لأننا نعرف أن الكلام الذي يليه هو كلامك .. وأنت الذي تخاف أن تقوله بإسمك ..
-
لا تتورطوما تعلمنا من درس ايلول الاسود ؟!؟! ما تعلمنا من درس الحرب الاهلية اللبنانية (و التي رميت كل اوساخها في النهاية على ظهر الفلسطينيين) ؟!؟!؟! ما تعلمنا من درس نهر البارد ؟!؟!؟! اللاجئين الفلسطينيين لا ناقة لهم و لا جمل في الصراعات العربية الدائرة , فارجو الا ينجح احد بتوريط شعبنا في ما لا مصلحة له فيه ....