القاهرة | على صعيد الرأي العام أو على الأقل قطاع واسع منه، لا مجال للجدل القانوني المتبادل بين مؤيدي قرار رئيس الجمهورية محمد مرسي بإعادة مجلس الشعب المنحل، ومنتقديه. الأمر برمته، وفقاً لمؤيدي القرار، ليس إلا مواجهة بين أول رئيس مدني منذ تأسيس النظام الجمهوري في مصر، والعسكريين الذين يحكمون البلاد منذ سقوط الملكية. أما المعارضون فيرون أن المواجهة هي بين الإسلاميين الذين أوصلوا مرسي إلى السلطة، والمجلس العسكري الذي كان قد وعد بحماية «مدنية الدولة». الثابت الوحيد في الأمر أن المواجهة قائمة. أما الجدل فيتركز حول المدى الذي قد تذهب إليه هذه المواجهة. ووفقاً لما يقول الباحث السياسي في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عمرو هاشم ربيع، «جزء كبير من التوقعات حيال هذه المواجهة سيحسم اليوم، مع صدور الأحكام القضائية من محكمة القضاء الإداري حيال شرعية الجمعية التأسيسية (التي ألّفها أعضاء مجلسي الشعب والشورى اللذين يهيمن عليهما حزب الحرية والعدالة) من جهة، وصدور الحكم حيال قرار المشير حسين طنطاوي (رئيس المجلس العسكري) قبل الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية بحل مجلس الشعب بعد حكم القضاء الدستوري بعدم دستورية قانون مجلس الشعب».
إلا أن ربيع، الذي يستبعد حدوث انقلاب عسكري كامل، يرى إمكان تطور الصدام إلى أبعد من مجرد مواجهات قانونية. ولفت إلى أنه «قد يصل إلى محاصرة البرلمان ومنع النواب من الدخول إليه، ولا سيما أن المجلس العسكري ربما فوجئ بردّ فعل فاتر من الرأي العام حيال القرار الذي يراه متجاوزاً للقانون». وأضاف «لعله كان يتوقع أن تتحرك قطاعات من الرأي العام هذا لمساندة السلطة القضائية».
وكانت التكهنات بحدوث مواجهة محتملة بين الرئيس والمجلس العسكري قد بدأت على استحياء عندما أصدر مرسي قرارين جمهوريين، في الأيام القليلة الماضية، بتأليف لجنتين؛ الأولى معنية بتقصّي الحقائق بشأن المعتقلين المدنيين في السجون العسكرية، والثانية هدفها تقصّي الحقائق بشأن وقائع القتل وإصابة المتظاهرين السلميين في كل أنحاء الجمهورية، في الفترة الممتدة من 25 كانون الثاني 2011 حتى 30 حزيران 2012.
لكن تفاصيل تأليف اللجنتين جاءت بعيدة تماماً عن الصدام، بعكس ما بدا للوهلة الأولى. فبالرغم من أن اللجنة الأولى ضمّت في عضويتها أربعة من ممثلي المجتمع المدني وشباب الثورة، إلى جانب محمد أمين المهدي الرئيس السابق لمجلس الدولة والقاضي في المحكمة الجنائية الدولية الذي يشغل حالياً عضوية المجلس القومي لحقوق الانسان، ضمت اللجنة كذلك في عضويتها النائب العام المساعد والمحامي العام الأول لنيابة أمن الدولة العليا، والمساعد الأول لوزير الداخلية للأمن العام، والمساعد الأول لوزير الداخلية لقطاع مصلحة السجون، فضلاً عن نائب مدير القضاء العسكري نفسه.
وهو ما عقّبت عليه مجموعة «لا للمحاكمات العسكرية»، على موقعها الرسمي، بالقول «رغم أنه قد يكون مبرراً وجود ممثلين من القضاء العسكري والداخلية والنيابة العامة باعتبار أنها جهات تنفيذية قادرة على توفير بيانات ومعلومات تخص كل مدني مثل أمام القضاء العسكري منذ بداية الثورة حتى اليوم، لكن يبدو أن دورهم يتعدى ذلك ليصبح لهم قول في تقرير مصير ضحايا لعبوا هم أنفسهم دوراً أساسياً في ظلمهم من البداية».
واتهمت المجموعة وزارة الداخلية بأنها «ورطت نفسها في هذه القضايا بتسليم المواطنين المدنيين إلى القضاء العسكري، وأن النائب العام تهاون في حقوق المواطنين بعدم الإصرار على تحويلهم إلى قاضيهم الطبيعي بدلاً من القضاء العسكري».
وتأليف اللجنة نفسه قد يتضمن مفارقة من قبيل ما يشير إليه نائب رئيس مجلس الدولة، أحمد وجدي، الذي أوضح لـ«الأخبار» أن «رئيس الجمهورية له كل الصلاحيات في العفو عن أي سجين». ولفت إلى أن «نصوص الإعلان الدستوري، وحتى قانون القضاء العسكري، تؤكد أن سلطة الرئيس في العفو عن أي سجين غير مقيدة بأي شرط».
من جهته، قال عضو اللجنة والناشط الحقوقي، محمد زارع، لـ«الأخبار»، «لا يمكن أن أغامر بتاريخي للدفاع عن المحاكمات العسكرية. فعلى اللجنة أن تغلق كافة ملفات المعتقلين السياسيين وتطالب بإحالة السجناء المدنيين الذين تمت محاكمتهم أمام القضاء العسكري على القضاء المدني، وإلا فسأنسحب منها وأعلن أمام الرأي العام الأسباب».
أما لجنة تقصّي الحقائق بشأن أحداث القتل، فقد خلت من أي ممثلين عن المجتمع المدني، وسمحت فقط بعضوية عدد من أهالي الشهداء كمراقبين، كما خلت من أي ممثل للمجلس القومي لحقوق الإنسان. وأوضح عضو المجلس جورج إسحق أنه بالرغم من إصدار المجلس تقارير عن كل أحداث القتل تلك تقريباً عبر لجان تقصّي حقائق سابقة ألّفها، لكن ذلك كان دون جدوى، إذ إن النيابة لم تستدع أيّاً منّا أصلاً.
وهو ما فسّره مدير المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، ناصر أمين، لـ«الأخبار»، بالقول إن جوهر الأمر هو أن «لجان تقصّي الحقائق أصلاً لا حجّية لها على الإطلاق أمام القضاء، ولا تمثّل تقاريرها دليلاً أصلاً». وأضاف «يمكن اعتبار التزام جهات الدولة حيال أعضاء لجنتي تقصّي الحقائق اللتين ألّفهما الرئيس مرسي مجرد التزام أدبي».
إلى ذلك، تظاهر عدد كبير من المصريين أمس، وانقسموا بدورهم بين مؤيد لقرار الرئيس المصري محمد مرسي بعودة مجلس الشعب، ومعارض له.
مؤيدو قرار مرسي، الذين ينتمي غالبيتهم إلى تيار الإسلام السياسي، تظاهروا في ميدان التحرير وسط القاهرة. كذلك تجمعت أعداد منهم حول مبنى البرلمان المجاور لميدان التحرير، فيما أعلن عدد منهم عزمهم على الاعتصام حتى موعد انعقاد جلسة البرلمان في الثانية عشرة من ظهر اليوم.
في المقابل، تظاهر آلاف من المواطنين بجوار النصب التذكاري للجندي المجهول في ضاحية «مدينة نصر» شمال شرق القاهرة، رفضاً لقرار عودة البرلمان للانعقاد لما يمثِّله من تحدي للقضاء الذي قرَّر «حل البرلمان».
كذلك، أعلنت أعداد من المشاركين في التظاهرة، أنها قررت الاعتصام إلى حين إنفاذ حُكم القضاء وتدخل السلطات المعنية لمنع البرلمان من الانعقاد.