القاهرة | «ده اليوم اللي كنت عايش عشانه ... حرام عليكوا». هكذا علق أب ثُكل بابنه في الثورة مستعطفاً ضابط شرطة للسماح له بدخول قاعة محاكمة الرئيس المخلوع حسني مبارك، أول من أمس، بعدما أمر أحمد رفعت رئيس محكمة جنايات القاهرة بمنع دخول أهالي الشهداء. توسل الرجل الخمسيني، بماضيه المشرّف كمصاب في حرب تشرين الثاني 1973 ضد إسرائيل، للشرطي الذي اختفى خلف نظارته السوداء، لحضور الحكم على الرئيس السابق الذي كلف خلعه ابنه أو الشهيد محمد مصطفى لم ينفع. فمن بين المئات من الضباط الذين منعوه، كان يحتمل أن يكون أحدهم قاتل ابنه أو «الفاعل الأصلي».
وما بين «حرام عليكو» والتي ترددت عشرات المرات بطبيعة الحال على لسان أهالي الشهداء، وذهول إيمان، الأم الأربعينية الثكلى، صدر قرار المحكمة لتعود الشعارات المتوعدة من قبيل «الشعب يريد إسقاط النظام» و«الشعب يريد إعدام السفاح». وهي الشعارات التي امتدت حتى أمس خلال تظاهرات حاشدة طافت شوارع وميادين العديد من المحافظات، من ضمنها العاصمة وفي القلب منها ميدان التحرير، دون أن ينجح إعلان مساعد النائب العام في مصر، المستشار عبد المجيد محمود، عن قراره الطعن على الأحكام الصادرة في القضية في تهدئة غضب المحتجين.
وبالرغم من الحكم بالسجن المؤبد على مبارك ونقله إلى سجن طرّة، إلى جانب وزير الداخلية السابق حبيب العادلي، اندلعت الاحتجاجات على حكم براءة علاء وجمال نجلي مبارك من تهم الفساد المالي والتربح من منصب والدهما، وبراءة ستة من مساعدي العادلي من تهمة قتل المتظاهرين في القضية التي ضمتهم مع مبارك ووزير داخليته. وفجرت الاحتجاجات مطالب بتطهير القضاء، وصولاً إلى الدعوة إلى تظاهرة مليونية اليوم. كما أعادت في الوقت نفسه الحياة لمبادرات المجلس الرئاسي المدني الذي بدا أن الزمن قد تجاوزها.
وسرعان ما تحولت التظاهرات أيضاً لتنديد واسع النطاق بالمرشح الرئاسي أحمد شفيق، آخر وزراء مبارك، وبالمجلس الأعلى للقوات المسلحة وبمجمل سير الانتخابات الرئاسية التي أوصلت شفيق إلى جولة الإعادة فيها، بالتوازي مع خشية الحركات السياسية الفاعلة في ميدان التحرير من سرعة تبخر الاحتجاجات نفسها من جراء غياب التنظيم والإحباط، وهو ما أوصل إلى مبادرة صدرت عن اجتماع عدة قوى سياسية أول من أمس.
هيثم محمدين، ممثل الاشتراكيين الثوريين في الاجتماع، قال لـ«الأخبار» إن الاجتماع انتهى إلى مبادرة بدعوة مجلس الشعب إلى تبني قانون بإنشاء محكمة خاصة تتولى التحقيق ومحاكمة حسني مبارك في قضايا الفساد المالي وقتل الثوار. كذلك طالب الاجتماع بإقالة النائب العام الذي عيّنه مبارك في منصبه ويُنظر إليه كمسؤول عن تهاوي اتهامات النيابة العامة ضد مسؤولي وزارة الداخلية في قضية قتل المتظاهرين. ومن بين المطالب أيضاً استبعاد شفيق من جولة الإعادة وفتح التحقيق معه على مسؤوليته عن المذبحة التي راح ضحيتها 11 شهيداً في ميدان التحرير في أيام الثورة الأولى بعد توليه رئاسة الحكومة، والتي عرفت إعلامياً بمعركة الجمل، فضلاً عن التحقيق في اتهامات الفساد المالي التي طاولته عن الفترة التي تولى فيها قبل الثورة منصب وزير الطيران المدني. هذا الهجوم الحاد على شفيق ربما كان وراء مؤتمره الصحافي أمس الذي شن فيه هجوماً شديداً على جماعة الإخوان المسلمين، متهماً إياها بالوقوف خلف حملات سابقة لإقناع أهالي الشهداء بقبول «الدية» بدلاً من مقاضاة ضباط الشرطة المتورطين في أعمال القتل، بل بالتعايش مع نظام مبارك وعقد الصفقات معه.
من جهةٍ ثانية، قال محمدين «طالبنا عبد المنعم أبو الفتوح وحمدين صباحي وخالد علي (مرشحي الرئاسة الخاسرين) بسرعة التحرك على صعيد الانتخابات الرئاسية بأي طريق يختارون (في مواجهة احتمالات فوز شفيق المقرب من المجلس العسكري)، من قبيل الانضمام إلى الفريق الرئاسي لمحمد مرسي (مرشح جماعة الإخوان المسلمين ورئيس حزب الحرية والعدالة ذراعها السياسية)».
وحضور ممثلين عن الحملتين الانتخابيّتين لأبو الفتوح وحمدين صباحي الاجتماع نفسه، بدا مبشراً بأن المرشحين على استعداد للتحرك على هذا الصعيد. وقال عضو الجمعية الوطنية للتغيير، جورج إسحق، الذي لعب دوراً مع عدد من الشخصيات العامة في الوساطة بين أبو الفتوح وصباحي، إن الاجتماعات بينهما جارية بالفعل للوصول إلى اتفاق بما يسمى «مجلس رئاسي مدني». وأوضح إسحق لـ«الأخبار» أن المبادرة تتضمن انضمام الثلاثة إلى محمد مرسي في مجلس انتقالي وتأجيل الانتخابات لستة أشهر أو سنة بناءً على قانون يتنباه البرلمان، «وسنحاول إقناع الإخوان بالمبادرة». لكن رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشعب، نائب رئيس حزب الحرية والعدالة، عصام العريان، أعلن رفض حزبه للمبادرة في تصريحات أدلى بها إلى قناة النهار الفضائية. واستند في رفضه إلى عدم دستورية الاقتراح، مشدداً على استمرار مرسي في السباق الرئاسي رداً على مطالب بتنازله عن الترشح كمحاولة لوقف الانتخابات وإسقاط الشرعية عنها.
وشدد على أن اللقاء المرتقب بين مرسي وأبو الفتوح وحمدين صباحي هو «من أجل دراسة البدائل المتاحة للخروج من المأزق».