تونس | قبل أسبوعين، كان المشهد السياسي التونسي على موعد مع المؤتمر الخامس للحزب الديموقراطي التقدمي، والذي كان أيضاً مناسبة للإعلان عن الكتلة الجديدة «الوسطية» التي تضم علاوة على الديموقراطي حزبي «آفاق تونس» و«الحزب الجمهوري»، فضلاً عن أربعة أحزاب أخرى ومجموعة من الشخصيات السياسية، مثل وزير التشغيل السابق في حكومة الباجي قايد السبسي، سعيد العايدي. فعاليات المؤتمر انطلقت بكلمة مختصرة ألقاها نائب الحزب الديموقراطي التقدمي في المجلس التأسيسي، إياد الدهماني، ما أوحى في البداية بانتقال الشباب الديموقراطي أخيراً إلى الصفوف الأمامية في القيادة وبقرار ضمني بتغيير «الوجوه القيادية»، وذلك بعدما كان كل من إياد الدهماني وزميله في المجلس التأسيسي النائب محمود البارودي، قد تحدثا عن وجود توجه كهذا في الكواليس، وهو الأمر الذي كان بالإمكان تلمّسه أيضاً من خطاب الأمينة العامة للحزب، ميّة الجريبي. ولم تتردد ميّة في الاعتراف بأن للحزب الديموقراطي التقدمي أخطاءً أدت به إلى تحقيق نتائج هزيلة في الانتخابات، مشيرةً إلى أن الحزب سيعمل على إصلاحها في المرحلة المقبلة، خاصة من خلال العمل على الاحتكاك بالقواعد، وإعطاء الشباب دوراً أهم وأكبر في الواجهة الأولى وفي الهيئة التنفيذية للحزب وللكتلة الجديدة.
إلاّ أن خطاب ميّة لم يترجم قرارات تصبّ في الاتجاه نفسه، إذ شهد المؤتمر الانتخابي للهيئات التنفيذية للحزب، الذي عقد في مدينة سوسة، تنافساً حاداً بين ما يسمّى القيادة التاريخية، التي يمثلها مؤسس الحزب أحمد نجيب الشابي وميّة الجريبي من جهة، وبين من يسمّون أنفسهم أنصار الخط الاجتماعي الديموقراطي الذين يمثلهم رئيس كتلة المعارضة في المجلس الوطني التأسيسي محمد الحامدي. ويتلخص الخلاف بين الطرفين في كون القيادة التاريخية لا تريد التخلي عن موقعها في السيادة، في حين يطالبها الفريق المقابل بتحمّل مسؤوليتها في الهزيمة الانتخابية التي حلّت في تشرين الأول 2011 والتخلي عن القيادة للكفاءات الشابة. لكن القيادة التي أقرّت بأخطائها وسوء تقديراتها، لم تبد مستعدة للتخلي عن موقعها داخل الحزب، ما ألّب عليها معارضيها، ولا سيما أنها فازت بأغلب الأصوات في الهيئات التنفيذية. هذا الأمر اعتبر من طرف الكثيرين راجعاً لاستغلال النفوذ داخلياً، ولا سيما أن محمد الحامدي، على الرغم من كونه رئيس كتلة المعارضة في المجلس التأسيسي، لم يحصل على مكانه في المكتب السياسي والهيئة التنفيذية للحزب. وهو ما أثار حفيظة العديد من المؤتمرين بشأن ما اعتبروه إقصاءً ممنهجاً للقيادات الجهوية للحزب مقابل تبجيل مبالغ فيه للموالين للقيادات التاريخية.
وعلى الأثر، أعقب تعيين أعضاء المكتب السياسي والتجديد للأمينة العامة ميّة الجريبي تجمع عشرات المؤتمرين الغاضبين. ويرى الغاضبون أنهم ممثّلو الحزب الحقيقيون، وأنهم يتمتعون بدعم منتسبي الحزب في الجهات، ويضمون في صفوفهم تسعة نواب من أصل نواب الحزب الستة عشر. هؤلاء النواب بدورهم أعلنوا في بيان لهم أنهم يجمدون نشاطهم في الحزب، معتبرين أن القيادة ارتكبت تجاوزات خطيرة أثناء المؤتمر. وأوضحوا أنهم سيناقشون الموضوع مع الهياكل الجهوية للحزب، وسيتخذون في ما بعد قراراتهم، فيما كانت القيادة منكبّة على إمضاء بروتوكول الانصهار مع حزب آفاق تونس والحزب الجمهوري والشخصيات المستقلة.
وتأتي خطوة توحّد الأحزاب المعارضة بعدما أدركت الأخيرة أن تشتّت الأصوات أضرّ بما يسمّى التيار الوسطي الحداثي، ما أفسح المجال أمام بروز تحالفات جديدة، أهمها «الجبهة الشعبية 14 جانفي» المكوّنة أساساً من أحزاب يسارية. كذلك برزت «حركة المسار الديموقراطي الاجتماعي» التي تضم مستقلين، و«حركة التجديد»، و«حزب العمل التونسي». غير أن هذه الكتل تشكو من المرض المزمن ذاته الذي أضرّ طويلاً بأحزاب المعارضة في تونس، ألا وهو مرض حب الزعامة، ما يعزّز الشكوك في قدرة التحالفات الجديدة على الصمود.