تونس | ضجّت تونس، أول من أمس، بتسريبات سياسية مثيرة للجدل، حيث أقدم قراصنة إلكترونيون، يطلقون على أنفسهم اسم «أنونيموس ـــ تونس»، على قرصنة البريد الإلكتروني لرئيس الحكومة حمادي الجبالي، وتسريب أكثر من 2700 مراسلة سرية نشروها على موقعهم على الإنترنت، ووزّعوها عبر شبكات التواصل الاجتماعي. وبدأت التسريبات، الأحد الماضي، بشريط فيديو انتشر بسرعة على الشبكات الافتراضية، وتضمّن رسالة من شخص يحمل قناع حركة «أنونيموس» الشهير، ويتحدث باللغة الفرنسية، مخاطباً الشعب التونسي والحكومة.
وقال المتحدث في الشريط إنه ينتمي إلى الفرع التونسي لشبكة «أنونيموس» العالميّة، وأعلن قرصنة البريد الإلكتروني للجبالي، ونشر الوثائق المسرّبة على موقع «أنونيموس ـــ تونس». وهدّد الشريط بـ«قرصنة البريد الإلكتروني لمسؤولين آخرين في حركة النهضة، إذا استمرّت الحكومة بتجاهُل ملفّ جرحى الثورة، وواصلت سياسة قمع المتظاهرين، كما حصل يوم السبت خلال مسيرات جمعيّة العاطلين من العمل ولجنة مساندة جرحى الثورة، التي تخلّلها اعتداء وحشي على المتظاهرين في ساحة محمّد علي، قبالة مقرّ الاتحاد العام التونسي للشغل».
تجدر الإشارة إلى أنه سبق لـ«أنونيموس» أن ظهروا في تونس، قبل الثورة، من خلال قرصنة المواقع الحكوميّة، احتجاجاً على سياسات نظام المخلوع زين العابدين بن علي القمعيّة، وعلى الرقابة التي كانت مفروضة على الإنترنت. لكن هذه هي المرة الأولى التي يقع فيها تسريب وثائق ومراسلات حكومية يُفترض أن تُحاط بالسرية المطلقة. وفور انتشار الخبر، ضجّت المواقع التونسية وشبكات التواصل الاجتماعي بالتعليقات، وتباينت المواقف من هذه الوثائق المسرّبة؛ فبينما اكتفى البعض بنقل مقتطفات من تلك الوثائق على صفحاتهم الخاصة، دخل آخرون في جدل محتدم بشأن مدى أهمية هذه الوثائق، وخطورة المعلومات التي تتضمّنها.
ومن أكثر الوثائق استقطاباً للاهتمام، مراسلات بين الجبالي وبقية قيادات حركة «النهضة»، تتضمن كلاماً على أحداث معينة أو على ما يرد في الصحف، ورصداً لتحركات ونشاطات مختلف الشخصيات السياسية، بمن فيها تلك التي تنتمي إلى «الترويكا» الحاكمة، فضلاً عن عدد من الفواتير وجداول الميزانيّات المتعلقة بالحملة الانتخابيّة.
من أكثر الوثائق المسرّبة إثارةً للجدل رسائل تدعو إلى مقاومة المعارضة بشتّى الوسائل، وتنعتها بـ«جماعة الصّفر فاصل»، انتقاصاً من ثقلها الشعبي، وتحذر في الوقت ذاته من «المؤامرة الهادفة للانقلاب على الشرعية التي أفرزتها الانتخابات». ومن النماذج عن ذلك، رسالة موجهة إلى الجبالي من قبل القيادي النهضوي عبد الحميد الجلاصي، جاء فيها: «أخي العزيز، نحن حكومة غير عاديّة، حكومة ثورة، يتربّص بها المتربّصون، وقد تجد نفسها أمام خيارات صعبة، يا قاتل يا مقتول، لذا علينا أن نحسم أمورنا، وأن نضع البلاد في حالة استنفار قصوى، خوفاً على الثورة، وحرصاً على صيانتها من خصومها، ويجب (علينا) قتلهم (أي الخصوم) مدنيّاً، وجعل الشعب ينبذهم ويتعوّذ منهم ويبصق حين يراهم ويتطيّر منهم. علينا أن نفضحهم ونلبسهم لباس الخيانة والتآمر والغدر إلى الأبد». وتضمنت إحدى المراسلات الموجهة إلى الجبالي خطة مفصلة وفق خمسة سيناريوات مختلفة لتفصيل قانون الانتخاب الجديد الذي ستجري وفقه الانتخابات البرلمانية المقبلة، مع دعوة صريحة لترجيح الصيغ الانتخابية التي تخدم مصالح «النهضة»، وتضعف خصومها السياسيين. ولا يقتصر الأمر على مهاجمة الخصوم السياسيين أو محاولة إضعافهم فحسب، بل يتعدى ذلك إلى التجسّس على حلفاء «النهضة»، في مقدمتهم رئيس المجلس التأسيسي، مصطفى بن جعفر، الذي تضمنت إحدى المراسلات تقريراً طويلاً عنه بعنوان «فضائح التكتل». وتحوي تلك الرسالة رصداً لخلافات داخلية ومشاكل قانونية ومخالفات مالية في حزب «التكتل» الذي يتزعمه بن جعفر. وقد أُرسل التقرير إلى الجبالي لسؤاله: هل يجب نشره لتنوير الرأي العام، وللقول للشعب هل لا يزال فيكم من يريد التصويت لبن جعفر بعد كل هذا؟». إلى ذلك، تضمنت المراسلات وثائق تتعلق بحسابات مصرفية وأوامر بتحويلات مالية، بينها طلب تحويل من شركة البترول القطرية إلى حساب يُرجَّح أنه تابع للجبالي، وفواتير ووثائق جمركية لاستيراد سيارات من دبي.
ولم يصدر أي تعليق رسمي في تونس على هذه التسريبات بعد، لكن العديد من نشطاء شبكات التواصل الاجتماعي لاحظوا محاولات لحجب عدد من المواقع التي تتداول هذه الوثائق، بدليل أنه تعذّر الوصول إليها من قبل متصفّحي الإنترنت داخل تونس.