رام الله | لا شك في أنّ الإضراب التاريخي عن الطعام للأسير القيادي في حركة «الجهاد الإسلامي»، خضر عدنان، الذي استمر 66 يوماً في سجون الاحتلال الإسرائيلي، أعاد تسليط الضوء على قانون الاعتقال الإداري المجحف بحق الفلسطينيين. وها هي الأسيرة هناء الشلبي، تسير على خطى عدنان، وقد أنهت 28 يوماً من الإضراب المفتوح عن الطعام منذ اعتقالها في 16 شباط الماضي، احتجاجاً على اعتقالها، وطريقة التحقيق معها، وتفتيشها وهي عارية.
الجذور البريطانيّة

لم يكتفِ البريطانيون بوعد بلفور المشؤوم لبدء الكارثة الفلسطينية، وإنما واصلوا ذلك بسنّ قوانين مجحفة، وجدتها دولة الاحتلال الإسرائيلي على مقاسها، فطبّقتها على الفور؛ أحد أسوأ هذه القوانين هو «الاعتقال الإداري» الذي يتيح اعتقال الفلسطينيين لـ6 أشهر قابلة للتجديد ومن دون تهم. وبحسب وزارة الأسرى والمحررين الفلسطينية، فقد أجاز التشريع العسكري الإسرائيلي بشكل صريح، الاعتقال الإداري، بل ونظّم استعمال هذا الإجراء؛ ففي البداية، كان التشريع يستمدّ صلاحيته بإصدار أوامر الاعتقالات الإدارية بموجب «أنظمة الدفاع لحالة الطوارئ» التي أقرَّها الانتداب البريطاني عام 1945 إلى حين إقرار قانون جديد صلاحيات الطوارئ (اعتقالات) عام 1979. وسُجِّل العدد الأكبر من المعتقلين الإداريين خلال الانتفاضة الأولى (1987)، حيث وصل إجمالي القرارات بالاعتقال الإداري بين عامي 1987 و1994 إلى عشرين ألفاً، في حين أصدرت المحاكم العسكرية الإسرائيلية خلال الانتفاضة الثانية (2000) أكثر من 19 ألف قرار بالاعتقال الإداري.

أكبر إضراب عن الطعام... قريباً

خلال الأيام الماضية، شرعت إدارات سجون جلبوع وشطة ومجدو بإجراء فحوصات الحمض النووي DNA على الأسرى باستخدام القوة والتهديد من خلال إخراج الأسرى مكبَّلين الى الزنازين، وأخذ عينات من أجسامهم، بغرض إجراء فحوصات الـDNA لهم، ليكون هذا السبب من بين أمور دفعت الأسرى في سجون الاحتلال إلى إتمام «اللمسات النهائية والأخيرة لأكبر إضراب مفتوح عن الطعام ستشهده السجون الإسرائيلية ابتداءً من أحد أيام نيسان المقبل»، بحسب جمعية «واعد» للأسرى والمحررين. ووفق الأسرى، فإن الإضراب سيكون مفصلياً وحاسماً حتى يتم تحقيق مطالبهم، ومن أهمها إنهاء سياسة العزل الانفرادي وخاصة بحق المعزولين القدامى، إضافة إلى ملفات خطيرة أخرى من بينها الإهمال الطبي والزيارات والاعتقال الإداري.
وبالنسبة إلى ملف زيارات الأسرى داخل سجون الاحتلال، فعلى الزائر الانتظار شهور طويلة للحصول على موافقة من قوات الاحتلال على زيارة الأسير، وذلك بعد فحص صلة القرابة، وتفاصيل دقيقة عن شخصية كل زائر. لكن الأمر لا يتوقف على «التصريح» الإسرائيلي للزيارة، بل على الطريق الشاقة والتفتيش المذل الذي يمارسه جنود الاحتلال على ذوي الأسرى وأقاربهم على الحواجز.
وتُعتبر سجون الجنوب الفلسطيني، من «رامون» و«نفحة»، الكابوس الرئيس لأهالي بيت لحم والخليل، اذا ما حصلوا على تصريح الزيارة، لأنهم يعرفون أنهم سيمرّون على حاجزي الظاهرية والشمعة جنوب الخليل. وبسبب الإذلال المقصود بحقهم، فقد تحوّلت هذه الحواجز إلى مكان للمواجهة بين أهالي الأسرى وجنود الاحتلال.
ذوو الأسرى، بحسب إفادات قدموها لوزارة الأسرى والمحررين، قالوا «إن جنود هذه الحواجز يتعمدون تفتيش الأهالي من الرجال والنساء وتعريتهم، ما خلق تذمراً واسعاً في صفوفهم، ورفض عدد منهم التفتيش فلم يكملوا الرحلة بما أن هذه الحواجز هي البوابة الإجبارية لأهالي الأسرى إلى سجون الجنوب.
أهالي الأسرى في مناطق بيت لحم والخليل أعلنوا توقفهم عن الزيارات إذا استمرت هذه المعاملة المهينة لكرامتهم؛ ورغم عقد أكثر من لقاء مع المسؤولين في الصليب الأحمر الدولي، كجهة منظمة للزيارات تُجري التنسيق مع الجانب الإسرائيلي، إلا أن شيئاً لم يتغير على حواجز الاحتلال، أو ممارسات جنوده. ويقول ممثل الأسرى في سجن «ريمون»، الأسير جمال الرجوب، المحكوم بالسجن المؤبد، إنّ «كرامتنا أغلى من كل شيء، ولا نريد هذه الزيارات التي تُهان بها زوجاتنا وأخواتنا».
وحاجز الظاهرية العسكري نموذج لعشرات الحواجز المنتشرة في الضفة الغربية المحتلة، التي من خلالها يتم تعذيب أهالي الأسرى وإذلالهم والتنغيص على حياتهم، بحيث تحولت الزيارات إلى عقوبة قصوى للأهالي ورحلة مليئة بالمرارة والمعاناة. كما أنّ عدداً كبيراً من ذوي الأسرى الذين يمكثون لساعات طويلة على الحواجز، سواء في البرد الشديد، أو في الحر الشديد، يعودون أدراجهم بعد رفض الزيارة بسبب المعاناة الطويلة، وبعضهم قد مُزقت تصاريحهم من قبل الجنود من دون أي تبرير، وخصوصاً أن الإجراءات المتخذة على الحواجز تجعل من الزيارة كابوساً ثقيلاً على المرضى والطاعنين بالسن. إحدى أكثر الحالات حزناً هي قصة والدة الأسير منيف أبو عطوان، التي تعرضت للإذلال على حاجز الظاهرية، وأصيبت بحالة إغماء وتعب شديد، وبعد زيارة لابنها توفّيت على الفور، كما أن نفس الحاجز شهد عمليات إجهاض عدة لنساء حوامل.



أُصيب 3 فلسطينيين برصاص مطاطي خلال تظاهرة قرب معسكر عوفر الإسرائيلي للتضامن مع الأسيرة الفلسطينية المضربة عن الطعام منذ 29 يوماً، هناء الشلبي. وكان «نادي الأسير الفلسطيني» قد دعا إلى هذه التظاهرة. وقال وزير شؤون الاسرى الفلسطيني عيسى قراقع إن السلطة الفلسطينية تجري اتصالات دولية مع عدة جهات دولية لإطلاق سراح الشلبي. وأشار قراقع إلى أن وضع الشلبي «يزداد تدهوراً وهي مصرة على مواصلة الاضراب».
(أ ف ب)