تونس | لأول مرة منذ ما قبل انتخابات ٢٣ تشرين الأول ٢٠١١، يظهر زعيم حركة النهضة، راشد الغنوشي، على شاشة قناة «نسمة» المصنفة عند أنصاره والقريبين من حزبه كقناة لـ«الفسق والنقمة» ليقدّم تنازلات الى المعارضة غير مسبوقة. لكن جبهة الإنقاذ التي تطالب بحل الحكومة والمجلس الوطني الدستوري أصرّت على موقفها وصعّدته أكثر. الظهور الاستثنائي للشيخ على «نسمة» التي يملكها رجل الأعمال المنتج السينمائي العالمي طارق بن عمار، كان الحدث البارز أمس في تونس، حيث كانت القناة قد تعرضت لهجوم لاذع من الإسلاميين وتم تكفير العاملين فيها عندما بثت الشريط الإيراني «المُتهم بالتعريض بالذات الإلهية». ظهور ترك أسئلة كثيرة حول اختيار الغنوشي لهذه الشاشة بعد أسبوع واحد من لقائه مع غريمه زعيم «نداء تونس» الباجي قائد السبسي. وتأكد أن اللقاء تم بوساطة من مدير القناة أحد مالكيها نبيل القروي مع رجل الأعمال سليم الرياحي الذي أقنع زعيم النهضة بالحوار مع زعيم المعارضة.
لقد تخلى الغنوشي خلال هذا اللقاء عن كل مطالب «النهضة» وحلفائها، وخاصة مطلب «حزب المؤتمر من أجل الجمهورية» بقانون العزل السياسي المعروف بقانون «تحصين الثورة» الذي كان أحد المطالب الأساسية لـ«النهضة» في المجلس التأسيسي لعزل خصمها اللدود «نداء تونس» ومنع رئيسه ليس من الترشح للرئاسة فقط، بل من المشاركة في الحياة السياسية أيضاً.
كان إعلان الغنوشي أول من أمس عن سحب مشروع هذا القانون صادماً لأنصاره وحليفه المؤتمر، كما «تغزّل» بغريمه السبسي وأثنى عليه وعلى حزبه، وهو ما يشير الى تحالف بين أعداء الأمس؛ فقبل أيام فقط كان «نداء تونس» عند زعيم «النهضة» مجرد «وكر للثورة المضادة» و«حزب بلا برنامج». لكن في حواره الأخير، تحول «نداء تونس» عند الغنوشي الى «حزب مسؤول ومؤتمن على الدولة».
في الوقت نفسه، دعا الغنوشي الى تشكيل حكومة انتخابات بعد شهر، مهمتها تنظيم الانتخابات فقط لتجنب الفراغ السياسي. كما طالب الرئيس محمد المنصف المرزوقي بالتخلي عن الرئاسة إذا كان يرغب في الترشّح ثانية. وهو ما اعتبر دعوة مبطنة وضمنية للتخلي عن حليفه السابق.
مواقف الغنوشي الأخيرة أثارت الكثير من الجدل في الشارع التونسي، حيث اعتبرها عدد من اليساريين بأنها محاولة لكسر تحالف جبهة الإنقاذ الوطني.
بل ذهب البعض الى وجود صفقة بين السبسي كممثل للحركة الدستورية والدولة العميقة مع الإسلاميين على حساب اليسار.
إلا أن اللقاء الذي تم بين السبسي وزعيم اليسار حمة الهمامي، المتحدث الرسمي باسم الجبهة الشعبية، فضح محاولات «النهضة» كسر تحالفات المعارضة.
وصدر بيان مشترك عن اجتماع الهمامي والسبسي أسقط حسابات «النهضة»، إذ أكدا تمسكهما بمطالب جبهة الإنقاذ، وهو ما يعني مواصلة عزل «النهضة» شعبياً وسياسياً.
في هذه الأثناء، تمسك النواب المنسحبون من المجلس التأسيسي بالانسحاب من المجلس قبل استقالة الحكومة. المطلب نفسه الذي أعلنه حليف «النهضة» مصطفى بن جعفر، رئيس المجلس، زعيم حزب «التكتل من أجل العمل والحريات» الذي رفض عودة (البرلمان) السلطة العليا في البلاد الى الانعقاد، وهو ما خلق أزمة دستورية حقيقية.
هكذا إذاً تشير كل المعطيات في تونس الى أن هناك مشهداً سياسياً جديداً بدأ بالتشكل، وأن أعداء الأمس من حركتي النهضة ونداء تونس قرّبت السياسة بينهما. أما حلفاء الأمس، فكل المؤشرات تؤكد أن دورهم انتهى ولا حضور لهم اليوم في الشارع قياساً بالجبهة الشعبية وحليفها القوي» نداء تونس» ومن ورائه حلفاؤه من أحزاب «الاتحاد من أجل تونس» وتلك هي الأيام نداولها بين الناس.