بيروت | لن أسميك في رسالتي هذه؛ لأني أخاف على أمنك. ولأنك تحمل الآن شرف أن تكون بالنسبة إلى العدو سجيناً برقم دون اسم أو ملامح، شرف لم يكن ينقصك يوماً. أنت يا صديقي بطل قصتين أو أكثر رويتها لأصدقائي فور علمنا باعتقالك. لم تغب عنا قضية الأسرى يوماً، لكن مرارتها تختلف حين يصبح خلف القضبان اسم لنا معه قصص وحكايات، وبيننا وبينه «شاي بشوائب».وصلنا سلامك من أبو جهاد، لكن لم تصلنا رسالتك. هل أقول إن الاحتلال منعها عنا؟ أم إنك تأخرت علينا بسبب نقص القرطاسية والأوراق؟ هل ننتظر منك مقدمة أجمل من التي كتبتها لصديقنا في رام الله «رفيقي.. تحية رفاقية حمراء مثل الجمر قوية كالفولاذ.. تحية لا حدود لها». أنت الآن أقرب إلى الوطن كما قلت في رسالتك لسعيد، اللاجئ في مخيم نهر البارد، ونحن كل يوم أقرب إلى فلسطين؛ لأن «الحرية حتمية» كما قلت. قرأنا كل القصص القصيرة التي أهديتنا إياها، وأهديناها إلى أصدقائنا، وقلنا لهم: «اقرأوا ما يريده البطل، لتفهموا ونفهم أن الأسر ليس الزنزانة». أخبرتهم عن أختك البطلة، أريتهم الفيديو. لكني لم أخبرهم بسؤالي لك بعد أن أخبرتني قصتها، كان سؤالاً غبياً. وأخبرتهم عن جدتك، وعن رد فعل والدك على اعتقال شقيقك، وكان التعليق الأجمل من صديقة: «ليت غسان كنفاني كتب عنهم». هي لم تعرف أنك ستهديها قصصه.
كنا ننوي زيارة أهلك في قريتك، إذا ما استطعنا. وكنا ننوي إحضار «بوستر» صورتك الذي جال المخيمات مع معرض لرفيق. وكنت قد اشتريت هدية بسيطة لأختك. أما أمك، فوجدت أن كل الهدايا ستكون سخيفة أمام هدية الله، أي ببساطة «أنتم». لم نكن نبالي إن اتهمنا بالتطبيع لقبول دخولنا فلسطين بتصريح من الاحتلال؛ لأننا أردنا أن نهنئ أخاك المحرر بالسلامة، ولأننا أملنا حقاً حضورَ عرسك. وكما خذلنا الإسرائيليون بالإفراج عنك، لم يعطونا التصاريح. «أحسن. هادا دليل أنهم بخافوا منا»، هكذا عزينا النفس التي أرادت أن تزرع شجرة في أرض فلسطين ليتظلل بها أبناؤنا.
كلنا اشتقنا لك.. واشتقنا لقصصك.. وللهجتك الفلاحية.. لم أفكر يوماً في أنني سأكتب رسالة لأحد. ولم يخطر ببالي أنها ستكون لصديق «لن أقول أسير» أتباهى به. لا أعرف إذا كنت ستقرأ الرسالة في الجريدة كما قرأنا نحن رسالتك، على الأغلب ستقرأها على النت يوماً ما، لكني سأحتفظ لك بعدد من الجريدة.
على فكرة عزيزي، أنا خطبت. وما زلت بانتظار وعدك بأن تزفنا في عرسنا على أرض فلسطين، قريباً جداً؛ لأن الحرية قادمة لا محالة.. ولأننا سندخلها «خاوا».