القاهرة - «منوفية بلا إخوان»، حملة دُشنت قبل أيام بمحافظة المنوفية، إحدى محافظات دلتا مصر، شمال العاصمة، أما هدفها فهو طرد كل أنصار «الإخوان المسلمين» من المحافظة، لتكون في النهاية محافظة بلا «إخوان». الهدف المعلن للحملة تردّد في أكثر من محافظة، كما رُفعت في أكثر من تجمع شعبي مطالب بطرد «الإخوان» ومحاصرتهم، ووصل البعض الى حدّ المطالبة بمقاطعتهم ومهاجمة متاجرهم وشركاتهم.
على مواقع التواصل الاجتماعي، تناقل عدد من مستخدميها لوحات معايدة بمناسبة عيد الفطر المنصرم جاء في نصها: «كل سنة وكل الناس بخير.. إلا الإخوان».
في دمياط، شمال القاهرة، تحقق النيابة العامة في بلاغ تقدم به رئيس لجنة الشباب في حزب «الوفد»، أقدم الأحزاب الليبرالية بالبلاد، يطالب فيه «بإقصاء المدرسين والمدرسات المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين من وظائف التدريس ونقلهم إلى أعمال إدارية لا علاقة لها بالتعامل المباشر بالتلاميذ». يبرر مقدم البلاغ طلبه: «حتى لا يقوموا بتسميم رؤوس الطلبة والتلاميذ ضد مصر والوطنية المصرية».
تلك التصرفات طرحت العديد من الأسئلة؛ هل يمكن تسمية ما يحدث بأنه إقصاء؟ هل يمكن القول إن الشعب يعزل الجماعة وأعضاءها دون انتظار قانون أو دستور؟ وهل هناك تغيير حقيقي في التركيبة النفسية المصرية؟ في المقابل، ما الذي دفع إلى ظهور مثل تلك الدعوات الإقصائية؟ ومن يدعمها؟ وما هو دور الإعلام فيها؟ كذلك ما هو دور قيادات الجماعة في تلك الحالة من العزلة التي تعيشها الجماعة؟
أحمد القاعود، أحد الشباب القريب من جماعة «الإخوان المسلمين»، يرى أنه لا توجد على أرض الواقع حالة اغتراب تعيشها الجماعة و«إنما هي حالة تغريب عن المجتمع تقودها أجهزة المخابرات ومؤسسات الدولة الفاسدة بمساعدة تيارات فكرية وسياسية غريبة أصلاً عن المجتمع المصري ومعادية لكل ما يمت للفكر الاسلامي بصلة». ويضيف أنه «صحيح أن هناك حالة من الكراهية بين قطاع من اناس تجاه جماعة «الاخوان»، غير أن هذه الكراهية مصنوعة بآلة إعلامية جبارة».
ويشير القاعود إلى أنه «رغم تعرض الجماعة لإرهاب إعلامي وأمني غير مسبوق لا يمكن وصفه الا بعملية تطهير عرقي، غير أن الشعب يتعاطف معها لأنها تتعرض لعملية الإبادة، وحتى الآن تلتزم بالسلمية ولا يتم الرد بالعنف على جرائم السلطة وجيشها من البلطجية». ويرى أن «الإعلام الإرهابي»، الذي يشن حملة على «الإخوان» لو توقف «لن تكون هناك معارضة شعبية حقيقية للإخوان باستثناء تيارات فكرية معادية لها».
بدوره، يرى الصحافي في جريدة «الحرية والعدالة»، الناطقة بلسان الحزب الذي أسسته جماعة «الإخوان المسلمين»، محمد كمال، أن «هناك أزمة حقيقية تعيشها البلاد هي في الأساس أزمة غياب الإنسانية، بعدما تأكد أنه لا قيمة للإنسان، ذاك الإنسان الذي يُسحل ويعذب ويقتل ثم يحرق لدرجة ضياع ملامحه وفي النهاية تطالب المشرحة، الجهة التي تحدد سبب الوفاة بعد تشريح الجثة، ذويه بأن يقروا بأن قتيلهم مات منتحراً أو في حادث سير».
كمال يعيش حالة نفسية صعبة ويرى أن كل مؤسسات الدولة تآمرت على الجماعة إلى أن أسقطتها، يرفض الحديث عن كل ذلك، لكنه يركز فقط على عدد من قُتلوا منذ بداية فض الاعتصامات في «رابعة العدوية» و«النهضة»، يردد «الكل يغور في داهية لكن أنتوا مش مقدرين يعني أيه رجل مسن يجلس بجوار جثة نجله أمام المشرحة يضع عليها الثلج ويرشها بمعطر والحشرات حولها والمشرحة لا تريد منحه تقريرا بالسبب الحقيقي وراء مقتل نجله». يضيف بأن أغلب شباب الجماعة مصابون بحالة من الصدمة نتيجة الحسّ الإنساني الذي فُقد، ويتمنى معظمهم الموت؛ فمعظم أصدقائهم وأقاربهم قُتلوا في التظاهرات، وبعض الجُثث أُحرقت «فلا معنى للحياة الآن»، يقول.
يخشى كمال كذلك من عمليات الاعتقال العشوائي، التي تلاحق أعضاء الجماعة، ويقول «كل خوفي بنتي ذات الأعوام الخمسة ستخاف كثيرا عندما سيقتحمون شقتي للقبض علي». ويضيف «الآن لا توجد حرمات وتُقتحم البيوت وتكشف العورات».
في المقابل، هناك فريق يرى أن دعوات عزل «الإخوان» ما هي إلا ردّ فعل شعبي على العنف الذي مارسته الجماعة، خصوصاً تحريض قادتها، الذين قرروا محاربة المجتمع كله دفعة واحدة. ويعتبر أن الجماعة سعت الى معاداة المواطنين والمؤسسات في وقت واحد، ويؤكد هذا الفريق على أن من أنقذ أعضاء الجماعة في أحداث مسجد الفتح كانت قوات الأمن، ولولا وجودها لفتك أهالي رمسيس والمناطق المجاورة بالإخوان الذين كانوا يتحصنون بالمسجد. ويشيرون الى أن الجماعة عزلت نفسها عن الشارع وأصبح لديها مشكلة الآن في التعامل معه.
من أصحاب هذا التوجه وحيد عبد المجيد، نائب مدير مركز «الأهرام» للدراسات السياسية والإستراتيجية، الذي يرى في حديث لـ«الأخبار» أن ما يحدث الآن من دعوات لعزل أعضاء «الإخوان» شعبياً هو ردّ فعل وتعبير عن الغضب، واستنكار لما أقدمت عليه جماعة «الإخوان» في الفترة الأخيرة من استخدام للعنف، وارتكاب جرائم بحق المصريين، لافتاً إلى أن تلك حالة من التعبير الشعبي غير مسبوقة عن هذا الغضب.
ويؤكد عبد المجيد في الوقت نفسه على ضرورة تهدئة هذا الغضب واحتوائه وتوعية الناس بضروة تطبيق القانون والحفاظ على دولة القانون التي قامت من أجلها ثورة «30 يونيو»، والتأكيد للناس على أن الدولة هي من تستطيع أن تعيد لهم حقوقهم وهي من تستطيع وحدها محاسبة من أخطأ أو ارتكب جرائم، والتأكيد في الوقت نفسه على خطورة أن يُقدم الناس على أخذ حقوقهم بأيديهم. ويرى أن القيادات المسيطرة على الجماعة اتخذت قرارها بالفعل بالاتجاه نحو العنف «لكن هناك من هم داخل الجماعة يرفضون ذلك الاتجاه».
بدورها، ترى استاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس، سامية خضر، في حديث لـ«الأخبار»، أن المجتمع لفظ جماعة «الإخوان» لما وجدوه عندهم من اتجاه نحو العنف؛ فالتاريخ ذكر أن هؤلاء مارسوا الإرهاب وقاموا بعمليات اغتيال كثيرة وقتلوا النقراشي باشا وحاولوا اغتيال جمال عبدالناصر ونجحوا في اغتيال أنور السادات. لكن أغلب الناس لم تعايش تلك الأحداث وعندما شهدوا أفعالهم، فُجعوا من كم العنف والإرهاب الذي تمارسه تلك الجماعة. وتضيف أن المصريين فوجئوا بقيام تلك المجموعات بالتمثيل بالجثث كما حدث في كرداسة، وكذلك بطريقة قتل الجنود في رفح، وبعدها خرجت دعوات إقصائهم.
وتشدد استاذة الاجتماع على ضرورة فتح قنوات حوار مع شباب الجماعة، الذين لم يشاركوا في أحداث العنف ولم تلوث أيديهم بدماء المصريين، مشيرةً إلى ضرورة الاستعانة بقادة الجماعة الذين انشقوا عنها لإعادة تهيئة هؤلاء الشباب، كي لا يستمر مسلسل العنف في الشوارع.
ويرى محلل نفسي في جامعة الأزهر، طلب عدم ذكر أسمه، في حديث لـ«الأخبار»، أن المصريين يتعرضون الآن لحملة قوية تقودها أجهزة أمنية وسيادية؛ تلك الحملة تسعى لشيطنة جماعة «الإخوان المسلمين» وتحميلها مسؤولية كل الجرائم التي تحدث الآن، لافتاً إلى أن ذلك لا يمنع أن هناك غطاء تعطيه جماعة «الإخوان» لعدد من الجرائم التي وقعت؛ فمقاطع الفيديو التي تنشر وقائع سحل أو قتل ضباط شرطة أو معارضين للإخوان يكون في خلفيتها الصوتيه شخص يهتف «لا إله إلا الله» و«سيسي سيسي مرسي هو رئيسي»، لافتاً إلى أن مثل تلك المقاطع إلى جانب ما قالته قيادات جماعة «الإخوان المسلمين» على منصة «رابعة العدوية»، من تهديد صريح باستخدام العنف، خصوصاً ما قاله القيادي محمد البلتاجي، من أن «العنف سينتهي في سيناء لو عاد مرسي إلى الحكم مرة أخرى» وتكرار الهجوم على أكمنة الجيش، والتي كان أفظعها مقتل 26 جندياً في رفح أخيراً؛ كلّ تلك الحوادث وربطها مع تصريحات قيادات الجماعة خلقت حالة من الرفض الشعبي للجماعة، وساعد على ذلك الحملة التي تشنها أجهزة الدولة ضدّ الجماعة.
ويرى المحلل النفسي أن لذلك خطورة كبيرة، منها أن هناك أعضاء في الجماعة لا علاقة لهم بالعنف الذي يحدث، والتعامل على أن الجماعة شخص واحد قد يدفع تلك المجموعات إلى انتهاج العنف وترفض المجتمع، كما حدث في تسعينيات القرن الماضي، الذي ظهرت فيه مجموعات إرهابية تؤمن بأن «المجتمع كافر ولابد من محاربته». ويضيف بأنه لابد من إعمال القانون ومحاسبة من أخطأ أو حرض على ممارسة العنف، وألا تعامل الجماعة على أن جميع أعضائها من المجرمين.





... وإسلاميون يطالبون بعزل الجماعة


طالب عدد من الإسلاميين بعزل جماعة الإخوان المسلمين سياسياً أو حظرها فكرياً لأنها أصبحت خطرة على مصر. وقال الداعية السلفي، الشيخ محمد الأباصيري، إنه لابد من الحجر الفكري على جماعة «الإخوان المسلمين» وليس العزل السياسي. وأضاف في تصريحات لصحيفة «المصري اليوم»، أن «المطلوب في الوقت الحالي ليس عزل الإخوان سياسيا أو اجتماعيا أو اقتصاديا، فإن ذلك لا يجدي شيئا مع جماعة اعتادت ذلك طوال عمرها ونجحت في التأقلم معه واستثماره واستغلاله في الترويج لمظلومية الجماعة من قبل الأنظمة الحاكمة واستدرار عطف الجماهير المغرر بهم».
غير أن القيادي الجهادي السابق، الشيخ نبيل نعيم، قال إنه لابد من عزل جماعة «الإخوان» عن ممارسة العمل السياسي، مشيراً الى أن الإخوان تنظيم فاشل وشيطاني ولم يقدم خدمة للدين أو للوطن.

(الأخبار)