رام الله | دور المرأة الفلسطينية النضالي الممتد من الانتفاضة الأولى إلى الثانية حتى انتفاضة القدس الجارية خرج من الكواليس. صار المشهد أكثر تأثيراً إلى جانب العمليات التي شهدتها مختلف المحافظات المحتلة. ولعل صورة المرابطات في باحات المسجد الأقصى، منذ سنوات، خير نموذج لنساء مقاومات للعدو الإسرائيلي.
في القدس، تقف المرابطات المبعدات عن الأقصى على بعد أمتار من أبوابه. يواجهن حرمان الاحتلال حقهن في العبادة والدخول إليه. يتصدين لاقتحام المستوطين بالتكبيرات، بعدما أبعدتهن سلطات العدو عن المسجد. والآن، صرن في جميع الأوقات، دون كلل أو ملل، داخل ساحة صغيرة، عند «حطة»، أحد أبواب الأقصى.
ملامح الوجود النسوي لم تقتصر على جيل معيّن. فمنذ بداية الأحداث، شوهدت طالبات جامعة بيرزيت وغيرها من الجامعات في الضفة المحتلة، جنباً إلى جنب الطلاب على الحواجز العسكرية. بعضهن ألقى الحجارة، فيما ساعدت أخريات على نقلها للشبان. غيرهن فضّلن أن يقدمن العلاج السريع لأثر الغاز المسيل للدموع، عن طريق الماء المخلوط بالخميرة، ثم توزيع المياه والطعام، وصولاً إلى المشاركة في ميدان الاشتباك بـ«المولوتوف» والسكاكين.
في المقابل، لاقت الفلسطينيات في ساحات النضال أنواع التنكيل والضرب والاعتقال، حتى القتل إعداماً بالرصاص ما رفع عدد الشهيدات إلى 16، من بين 190 منذ بداية الانتفاضة. كما ارتفع عدد الأسيرات إلى ثلاثة أضعاف العام الماضي.
يقول رئيس «نادي الأسير الفلسطيني»، قدورة فارس، إن «قضية الأسيرات الفلسطينيات شهدت تحولاً منذ بداية الأحداث الأخيرة في شهر تشرين الأول، وإسرائيل تعتقل في سجونها 59 أسيرة في ظروف صعبة»، مشيراً إلى أنهن «يقبعن في سجني هشارون والدامون، وبينهنّ أصغر أسيرة في العالم (ديما الواو – 12 عاماً)».
في المواجهات يرتدي بعضهن الحجاب وأخريات لسن متديّنات جدّاً

كل ذلك لم يثنهن عن استكمال دورهن، الذي مثّل فارقاً في المواجهات مع الاحتلال. لم يكن دافعاً للنساء للمشاركة في الانتفاض فحسب، بل كان حافزاً أيضا لكل فلسطيني ليدافع عن أرضه وعرضه.
وفي تقرير بثته القناة «الثانية» الإسرائيلية، قال المراسل الإسرائيلي، أوهاد حمو: «ما يلفت النظر هو العدد الاستثنائي للنساء المشاركات في الاحتجاجات والمواجهات». وذكر حمو أن ما يميّز أولئك النساء هو «وعيهن السياسي المنفتح... يتمسكن برأيهن»، مضيفاً أن بعضهن «يرتدي الحجاب وأخريات لسن متديّنات جدّاً».
تعلق الأربعينية أم يسار على كلام حمو. كانت تشارك يوميا في المواجهات المندلعة على المدخل الشمالي لمدينة البيرة بالقرب من مستوطنة «بيت إيل». تقول: «أنضم إلى هذه المواجهات لأنها واجب وطني علينا جميعاً، على الأم أن تقاتل إلى جانب ابنها وابنتها وزوجها فداءً لهذا الوطن، وعلينا جميعاً أن نحرره». وعن خطورة البقاء في الميدان، تضيف: «ليس هناك مكان آمن، لا البيت ولا الشارع لذلك نحن هنا، ونتوقع في أحيان كثيرة ألا نعود إلى بيوتنا وأبنائنا لكن هذا واجب وطني علينا تقديمه».
أما سارة، والدة الشهيد أحمد جحاجحة، فعبّرت عن حزنها الشديد بعد استشهاد ابنها في المواجهات التي اندلعت في مخيم قلنديا قبل نحو شهرين. تروي أنها كانت تعزي جارتها في المخيم بعد فقدان أقاربهن. استغربت صبرهن وقوتهن في مواجهة الفقد، إلى أن فقدت أحمد، وعلمت أن «الله يرمي الصبر في قلوب النساء مهما وُصفن بالضعف والعاطفة القوية... هذا الصبر هو أحد الأسلحة التي نرجو الله أن يبلسم بها قلوبنا».
توافقها في الرأي جارتها والدة الشهيد إياد سجدية، الذي استشهد منذ أسبوع في اقتحام مشابه للمخيم حينما كان يغطي الحدث. تقول سجدية: «كنت أنتظر أن أفرح بتخرج إياد بعد ثلاثة أشهر لكن رصاصات الاحتلال حرمتني الفرحة وابني... لا أحد يشعر بألم الأم حين تربي ابناً يوما بعد يوم وعاما بعد عام ثم تفقده!». وتضيف: «فلسطين تستحق أن تروى بدماء الشهداء، لنا جار ولدت زوجته في نفس يوم استشهاد إياد وسماه إياد! فلسطين ولّادة وأمهات فلسطين سيلدن المزيد من إياد وأحمد ومحمد وغيرهم من الشهداء الأحياء في قلوب أمهاتهم وعائلاتهم».
هذا الصبر والألم، إلى جانب المشاركة الميدانية وحتى عمليات الدهس والطعن التي نفذتها «الحرائر الفلسطينيات» في الانتفاضة، دليل على أن النور في آخر طريق المقاومة لن يسطع إلا بالصورة الكاملة، والوجه المشرق للنضال الفلسطيني الممتد عبر عشرات السنين، فدور المرأة ليس جديداً، لأنها كانت وستظل شريكاً أساسياً في كل مفترق صعب.