تبدو مظاهر الارتياح واضحة جداً على الشارع المصري بعد عزل محمد مرسي. التأثير الاقتصادي لسقوط الرئيس كان أسرع من المتوقع. ففي صباح اليوم التالي عادت محلات الذهب إلى العمل بعدما كانت مغلقة. وعادت أيضاً شركات «الصرافة»، كما عملت البنوك على نحو عادي، بعدما كانت تعمل لساعات محدودة خلال الأزمة. البورصة التي تعد الأكثر حساسية تجاه المتغيرات السياسية بدا تأثرها قوياً جداً، فمؤشر البورصة قفز بقوة في اليوم التالي حتى اضطرت إلى وقف التعامل بسبب تجاوز الزيادة عن الحدود المسموح بها، حيث ربحت أكثر من 14 مليار جنيه في النصف ساعة الأولى من بدء التداول، وبلغ إجمالي أرباح البورصة أمس الخميس 22.6 مليار جنيه. لتعوّض بذلك الخسائر التي أعقبت خطاب مرسي الأخير، التي بلغت ما يقرب من ملياري جنيه، فقد اعتبر خطاب مرسي المتمسك بالسلطة مساء الثلاثاء الماضي بمثابة دعوة لأنصاره لمقاومة عزله، وهو ما كان ينذر بصدامات واسعة النطاق. خسائر خطاب مرسي سبقتها مكاسب كبيرة اعتبرت الأكبر منذ تولي مرسي السلطة، التي جاءت عقب خطاب وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، الذي أعلن فيها صراحة انحياز الجيش لمطالب الشارع، وأمهل مرسي 48 ساعة لتنفيذها. عبّرت حركة البورصة صعوداً وهبوطاً في تلك الأيام عن ثقتها في وجود القوات المسلحة في المشهد كضامن للاستقرار، فكانت تصعد مع ظهور السيسي، وتهبط مع ظهور مرسي.
مظاهر الارتياح التي عمّت المشهد الاقتصادي المصري بسقوط مرسي والتوصل إلى صيغة لمرحلة تجري فيها مجموعة من الإجراءات للمرحلة الانتقالية تعد ردّ فعل مفهوم جداً بعد أزمة كانت تنذر بمرحلة ممتدة من الصراع السياسي، كان مرشحاً بقوة لأن يشهد أعمال عنف غير محدودة.
ولكن رد الفعل الأول الذي أعقب الأزمة لم يغيّر الكثير في معطيات الاقتصاد المصري، الذي ازدادت أعباؤه في العام الذي تولى مرسي فيه الرئاسة. ففي هذا العام ارتفعت الديون الخارجية من 34.4 مليار دولار إلى 45.4 مليار دولار، أي إنّ مرسي أضاف في عام واحد 11 مليار دولار للديون الخارجية، بينما ارتفع الدين العام من 1310 مليار جنيه إلى 1553 مليار جنيه، وبلغ عجز الموازنة العامة 197.5 مليار جنيه. وتراجعت قيمة الجنيه في هذا العام بنسبة 10% بما يزيد من قيمة الواردات ويرفع الأسعار، كما تراجع احتياطي النقد الأجنبي تراجعاً حاداً حتى أصبح يكفي ثلاثة أشهر فقط من الواردات السلعية، وهو ما يهدد بشدة واردات استراتيجية مثل المواد الغذائية والوقود.
التحولات التي جرت في مصر حققت ارتياحاً شعبياً عاماً، لكن تأثيرها لم يكن كذلك على المفاوضات مع صندوق النقد الدولي على قرض بقيمة 4.8 مليارات دولار. قد تكون قيمة القرض أقل من نصف قيمة القروض التي حصل عليها محمد مرسي في عام رئاسته، لكن القيمة الحقيقية للقرض أنها شهادة ثقة للاقتصاد المصري ستفتح له أبواباً أخرى للقروض والمنح، وكذلك هي إشارة مهمة للاستثمارات الأجنبية على استقرار السوق المصري ستعني إمكانية تدفق رؤوس الأموال إلى مصر. الإدارة الأميركية كذلك لم تخفِ غضبها من التحولات التي جرت وعبّرت عنها في صيغة تهديد مباشر بوقف المساعدات العسكرية لمصر. كذلك سيكون الدعم القطري الذي حصلت عليه مصر في ظل مرسي محل شك.
من ناحية أخرى، يبدو الرضى واضحاً على المملكة العربية السعودية التي لم تكن متحمسة كثيراً لوصول الإخوان المسلمين للحكم في مصر، وسارعت إلى تهنئة رئيس المحكمة الدستورية العليا بالرئاسة الموقتة وكذلك حال الإمارات، بما يعني احتمال تعويض الدعم القطري بدعم سعودي وإمارتي قد يكون أكثر تأثيراً أيضاً.
ولكن كل تلك الحسابات ما زالت تدور حول القروض والدعم من الخارج، لا تنمية القدرات الذاتية وإعادة استخدام الموارد وتنظيم الاقتصاد وتوزيع الثروة، وهو ما سيحتاج بالتأكيد إلى وقت. حتى بالنسبة إلى القطاعات الاقتصادية السريعة التأثر بالأوضاع السياسية مثل قطاع السياحة المنهار بالفعل لا يمكن انتظار تحسن سريع فيه، وخاصة أن ردود أفعال جماعة «الإخوان» لم تتضح بالكامل، وما زالت الأوضاع النهائية في طور الترتيب. يزيد من حجم التأثر بالأوضاع الاقتصادية وإن كان على نحو موقت حلول شهر رمضان بما يحمله من زيادة في معدلات الاستهلاك، وخاصة في الغذاء والطافة ويشهد عادة ارتفاعات في الأسعار.
سؤال الاقتصاد ما زال صعباً بعد إطاحة محمد مرسي من السلطة. وما زال في حاجة إلى رؤية أكثر وضوحاً لا إلى البحث عن المزيد من المسكنات عبر المنح والقروض بما لها من تأثيرات على السياسة. من مبارك إلى المجلس العسكري إلى مرسي شهدت مصر تحولات ضخمة لم تشهدها في عشرات السنين السابقة لعصر الثورة، ولكن اللافت أن التحولات العاصفة لم تصل بعد إلى القواعد التي أدير بها الاقتصاد المصري على مدار العقود الماضية.
المؤشرات السريعة عقب إطاحة مرسي تبدو مطمئنة إذا نظرنا إلى البورصة وتوقعات الدعم الخارجي، لكن التركة الثقيلة التي تراكمت من مبارك إلى مرسي تمثل تحدياً صعباً. والإجابات السهلة المتمثلة في تأجيل الأزمة والاعتماد على الاقتراض والدعم الخارجي لم تعد كافية. وتحول أكثر جذرية في السياسات الاقتصادية أصبح أكثر إلحاحاً للإجابة عن سؤال الاقتصاد.