«يا قضاه يا قضاه.. انتو أملنا بعد الله»، كان هذا واحداً من الهتافات، التي كان أعضاء جماعة الإخوان المسلمين يهتفون بها أمام اللجان الانتخابية في الانتخابات البرلمانية لعام 2005؛ وبما أن السنوات ما بين 2005 و2013 ليست كفيلة بأن يخرج كل القضاة إلى المعاش، فالموجودون الآن هم القضاة أنفسهم تقريباً، الذين كانوا في 2005. غير أنّ وصول مرشح جماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي للرئاسة بدّل الهتاف الى «الشعب يريد تطهير القضاء» و«اعطنا إشارة نجيبهملك في شيكارة».
خلال عام من حكم مرسي، عانى القضاة من الحصار داخل محاكمهم، والتدخل في أحكامهم ومُنعوا من إصدار أحكام في القضايا المعروضة أمامهم، وحتى الاعتداء البدني عليهم الكثير. ولاحقهم رئيس الجمهورية بإعلان دستوري، عزل فيه النائب العام عبدالمجيد محمود، وعين آخر، ومنع المحكمة الدستورية من نظر قضايا بعينها. وأخيراً بارك الرئيس اقتراح حلفائه داخل مجلس الشورى بخفض سن تقاعد القضاة الى 60 عاماً بدلاً من 70 عاماً، وهو الأمر الذى يترتب عليه في حال سريانه عزل ثلث قضاة مصر وخلو جميع المحاكم العليا «الدستورية، النقض، الإدارية العليا» من قضاتها ليبدو العام الأول لحكم الرئيس مرسي كفيلاً بخروج القضاة الى ميادين التظاهر بل وتوقيعهم على استمارات «تمرد» الداعية إلى إسقاط النظام.
تقول نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا السابق، القاضية تهاني الجبالي، لـ«الأخبار»، إن العنوان الأبرز لعام من حكم مرسي هو «العدوان على دولة القانون واستقلال القضاة»، مضيفة أنّ الرئيس بدأ معاركه مع القضاة منذ لحظة إعلان فوزه برئاسة الجمهورية، حيث رفض في البداية حلف اليمين الدستورية أمام قضاة المحكمة الدستورية العليا، لكونهم أصدروا حكماً بحل مجلس الشعب من جهة وبحجة عدم اعترافه بالإعلان الدستوري المكمل الذي أصدره المجلس العسكري قبل ساعات من إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية من جهة ثانية، لكنه عاد وتراجع عن موقفه وقام بحلف اليمين أمام الجمعية العامة للمحكمة.
وبعد ثمانية أيام من حلف اليمين، أصدر مرسي قرارا بعودة مجلس الشعب، معتبراً أن حكم الدستورية لم يكن، وهو الأمر الذي أثار حفيظة القضاة. وتضيف الجبالي أن «مرسي وجماعته يتعاملون مع القضاة بمنطق أنه يترصد لطموحهم السياسي؛ فعندما تصدر أحكام ببراءة رجال النظام السابق يعتبرونها تدخل في إطار خطة الثورة المضادة ضدّ حكم الإخوان رغم وجود المستشار طلعت عبد الله المقرب من الجماعة على رأس النيابة»، معتبرةً أن «التاريخ سيذكر لمرسي مباركته لإصدار دستور ينتقص من استقلال المحكمة الأعلى في مصر «الدستورية العليا» وعزل 7 من قضاتها الى جانب حصار المحكمة والاعتداء البدني على القضاة، خاصة رئيس نادي قضاة مصر المستشار أحمد الزند. لكن هذا «التعدّي»، بالنسبة للقضاة، كان إنجازات بالنسبة للرئاسة، حيث أصدرت تقريراً حمل عنوان «التحول الديموقراطي في عام»، عدّد أهم الإنجازات وهي: «صدور الدستور بموافقة ثلثي الشعب في استفتاء تمت ادارته بنزاهة وشفافية، ونقل سلطة التشريع إلى مجلس الشورى المنتخب، حرص الرئيس على تنفيذ أحكام القضاء في ما يتعلق بسلطاته مثل سحب قرار عودة مجلس الشعب ووقف الدعوة للانتخابات البرلمانية».
«تعدّي السلطتين التنفيذية والتشريعية على القضائية»، هذا ما قاله أيضاً الفقيه القانوني عصام الإسلامبولي، عند وصفه علاقة مرسي بالقضاة، معتبراً أن العام المنصرم هو «عام أسود أهدر فيه استقلال القضاء وخضوع الدولة للقانون وسيادة القانون وانحرفت السلطة التشريعية في إصدار القوانين بما يخدم فصيلاً بعينه». وأضاف أن القضاء المصري خلال العام الأول لحكم مرسي مارس دور المعارض الحقيقي لقرارات الرئيس وجماعته واستطاع وحده تجريدهم من كثير من مكاسبهم السياسية، خصوصاً أنه استطاع أن يحلّ مجلس الشعب ذا الأغلبية الإخوانية بموجب حكمين لم يستطع مرسي سوى الرضوخ لهما وتنفيذهما، الى جانب أحكام وقف الانتخابات البرلمانية وعدم دستورية قانوني انتخابات مجلس الشورى وتشكيل الجمعية التأسيسية.
والأهم من ذلك أن هذه الأحكام، وفقاً للإسلامبولي، تفتح الباب على مصراعيه أمام صدور حكم مرتقب ببطلان تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور وما يترتب عليه من آثار أهمها بطلان وثيقة الدستور، الى جانب الحكم الأخير للقضاء المصري بالتأكيد على ضلوع جماعة الرئيس بالاشتراك مع حركة «حماس» وعناصر من حزب الله في اقتحام السجون المصرية إبان ثورة «25 يناير» وتهريب السجناء وبينهم الرئيس.
ورغم أن جماعة مرسي اعتبروا أن القضاء ترأس جبهة الثورة المضادة وعمل بكل قواه ضد تحقيق أهداف الثورة ومبادئها، فإن هذه المؤسسة تبقى الوحيدة القادرة في الوقت الحالي على تجريد الرئيس من شرعيته، في ظل الأحكام المنظورة أمامه بهذا الخصوص.