موسكو تصرّ على أولوية مشاركة المعارضة السورية في «جنيف 2» لضمان نجاحه، فيما لندن رأت أنّ جميع «الخيارات مفتوحة» في حال عدم جدّية النظام في التفاوض. وأعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنّ الأمر الأهم بالنسبة إلى المؤتمر الدولي حول سوريا المرتقب عقده هو موافقة المعارضة السورية على المشاركة فيه بدون شروط مسبقة.
ولفت الوزير الروسي، في مؤتمر صحافي، إلى أنّ من المقرر أن تعقد هذا الأسبوع اجتماعات مختلفة للمعارضة السورية في اسطنبول ومدريد. وأضاف لافروف أنّ «زملاءنا، بمن فيهم الأميركيون الذين تقدمنا بهذه المبادرة بصورة مشتركة معهم، أكدوا التزامهم بالعمل مع المعارضة (السورية) بشكل وثيق، من أجل دفعها إلى تغيير مواقفها من بدء المفاوضات فوراً، والكفّ عن طرح شروط غير واقعية».
في موازاة ذلك، أعلن وزير الخارجية البريطاني، ويليام هيغ، أنّ هناك أدلة على استخدام غاز السارين السام في سوريا، مشيراً إلى أنّ النظام السوري يمكن أن يكون الجهة التي استخدمته. وأكد وزير الخارجية أنّه: «يجب أن نلمّح بوضوح إلى أنه إذا لم يتفاوض النظام السوري بجدية خلال مؤتمر جنيف، فإن أي خيار لن يسحب عن الطاولة. وهناك خطر لا يزال قائماً، وهو أن نظام (الرئيس السوري) بشار الأسد لن يتفاوض بجدية». ورأى هيغ أنّه «لا استبعاد لأي خيار» في ما يتعلق بتسليح المعارضة السورية، معتبراً أنّ بلاده ستطالب الاتحاد الاوروبي بإجراء مزيد من التعديلات على حظر السلاح. وأضاف أنّ كل أسبوع يمرّ يقترب بسوريا من الانهيار، وسيؤدي هذا إلى «كارثة إقليمية».
من جهته، انتقد أمير قطر، حمد بن خليفة آل ثاني، عدم تحرك «الدول الفاعلة» في المجتمع الدولي لوضع حدّ للمأساة المروعة والكارثة الإنسانية في سوريا. وأشار، خلال افتتاحه في الدوحة «منتدى الدوحة ومؤتمر إثراء المستقبل الاقتصادي للشرق الأوسط»، إلى أنّه «لم يعد مقبولاً من الدول الفاعلة في المجتمع الدولي عدم التحرك لوضع حدّ لهذه المأساة المروعة والكارثة الإنسانية المتفاقمة، بينما في الوقت نفسه يريدون أن يقرروا هوية من يدافع عن الشعب السوري بمختلف الذرائع». وقال «نشعر بالأسف والأسى أن نرى ثورة الشعب السوري الشقيق قد دخلت عامها الثالث دون أفق واضح لوقف الصراع الدامي الذي خلّف وراءه عشرات الآلاف من الضحايا الأبرياء وملايين النازحين واللاجئين، فضلاً عن التدمير المادي الواسع النطاق، نتيجة تمسك النظام السوري بالحل العسكري».
في سياق آخر، التقى نحو ثلاثين عضواً من المعارضة السورية، بينهم الرئيس السابق للائتلاف المعارض أحمد معاذ الخطيب، في مدريد يوم أمس، لتوحيد مواقفهم وإطلاق مبادرة سياسية جديدة تستهدف إيجاد حلّ سلمي للصراع.
ونظّم الاجتماع حزب «التنمية الوطني السوري» تحت رعاية وزارة الخارجية الاسبانية. وقال الخطيب إن المعارضة لديها هدف واحد رئيسي، وأضاف أنّ أي مفاوضات لا تفضي إلى سقوط النظام لن تحظى بالقبول. ورأى أنّ كلّ السبل التي تمكّن الشعب السوري من الدفاع عن نفسه سبل مشروعة، معتبراً أنّ المعارضة تفضّل حلاً سلمياً للأزمة.
كذلك قال الخطيب «حتى الناس الذين لم يشاركونا الآن سنبلغهم (بما دار في الاجتماع) وسندعوهم إلى العمل معاً تحت هذه المظلة». وسيلتقي الخطيب بوزير الخارجية الاسباني خوسيه مانويل جارسيا، اليوم، لبحث التقدم الذي أحرزه المؤتمر الذي يعقد على مدى يومين.
وعن جبهة القصير المشتعلة، ندّدت وزارة الخارجية الأميركية بالهجوم العسكري الذي يشنّه الجيش السوري على المدينة. وقال مساعد المتحدث باسم الخارجية، باتريك فنتريل، إنّ «الولايات المتحدة تدين بشدة الغارات الجوية العنيفة والقصف المدفعي لنظام (الرئيس السوري بشار) الأسد في نهاية الأسبوع على مدينة القصير السورية المحاذية للحدود اللبنانية... إنّ نظام الأسد يتعمد إحداث توتر طائفي».
إلى ذلك، نشرت صحيفة «الاندبندنت» البريطانية تحليلاً لتطورات النزاع السوري وتداعياته على المنطقة. ولفت التقرير إلى أنّ تداعيات النزاع السوري أخذت تنتقل إلى لبنان المجاور، وهذا دليل إضافي على أنّ الحرب الأهلية الطائفية التي تشهدها سوريا تزعزع استقرار المنطقة. وأضاف أنّ ثمة مؤشرات على أن الصراع الذي لا ينتهي في سوريا يدفع القوتين العظميين، وهما الولايات المتحدة وروسيا، اللتين لهما دور بارز في ما يجري هناك، إلى تجريب مسار المفاوضات، وبالتالي السعي لوقف إطلاق النار بناءً على اتفاق جنيف.
التقرير يلفت إلى أنّه رغم أنّ رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان نال التعاطف وعبارات الدعم من قبل الرئيس الأميركي باراك أوباما، حينما زار واشنطن الخميس الماضي، لم تُبد العاصمة الأميركية استعداداً لاتخاذ إجراءات صارمة بهدف تسوية النزاع. وفضلاً عن ذلك، بحسب الصحيفة، فقد خفّ الحديث عن ردّ عسكري إذا انتهكت دمشق الخطوط الحمراء واستخدمت الأسلحة الكيميائية في النزاع الدائر، حتى من قبل بريطانيا وفرنسا اللتين كانتا أبدتا موقفاً أكثر تشدداً مقارنة بموقف الولايات المتحدة.
وفي هذا السياق يرى التقرير أنّه يمكن فهم مقابلة الرئيس السوري بشار الأسد مع صحيفة أرجنتينية، إذ شعر بجرأة إضافية، وقال إنه لا ينوي التنحّي من منصبه. وتضيف الصحيفة أنّ الأسد قد يلجأ إلى المفاوضات إذا طلب منه الروس القيام بذلك، وترى أنّ ثمة اقتناع متزايد لدى أوروبا والولايات المتحدة بأنّ النظام السوري رغم الفظاعات التي ارتكبها، يظل أفضل من تولّي نظام إسلامي متشدد مقاليد السلطة. ويبدو أن هذا هو المزاج العام الذي أخذ يسيطر على إسرائيل.
إضافة إلى ذلك، فقد أضاءت صحيفة «الديلي تلغراف» على انقسام «جبهة النصرة». وتقول الصحيفة إن التنظيم المتشدّد الذي بات يسيطر على أجزاء واسعة من شمال سوريا انقسم على نفسه بعدما أعلنت قيادته الولاء لتنظيم القاعدة.
وفي هذا الإطار، انسحب بعض مقاتليه من الخطوط الأمامية في مدينة حلب وأداروا ظهورهم لقائدهم. وتلاحظ الصحيفة أن العديد من مقاتلي الجبهة جُنِّدوا من بين أفراد ميليشيات منافسة بعدما تلقّوا وعوداً بالحصول على تمويل جيد، والانضمام إلى وحدات مقاتلة أفضل تنظيماً وليس لأسباب إيديولوجية. لكن هؤلاء المقاتلين شعروا بخيبة أمل منذ أعلن قائدهم أبو محمد الجولاني الولاء للقاعدة.
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)