صنعاء | كيف تم إبعاد وإسقاط عائلة الزعيم علي عبد الله صالح كلها من عليائها؟ كيف صارت هذه العائلة، فجأة، خارج البلد وتعيّن أفرادها سفراء وملاحق عسكريين لليمن في بلاد عربية وأجنبية أخرى؟ وكيف تم القضاء على تواجد قائد الفرقة أولى مدرع، اللواء المنشق علي محسن الأحمر، خارج مؤسسة الجيش، بعدما كان لسنوات أحد أبرز الحاكمين بأمرها. هي أسئلة كثيرة سيطرت على نقاشات ومجالس اليمنيين طوال يوم أمس. كثيرون لم يصدقوا قرارات الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، بإقالة قائد قوات الحرس الجمهوري العميد أحمد علي عبد الله صالح من منصبه وتعيينه سفيراً لليمن لدى الإمارات العربية المتحدة التي يتمتع أحمد بعلاقات شخصية قوية مع حكامها.
لكن المفاجأة لم تتوقف عند هذا الحد، بعد الاعلان عن تعيين قائد الحرس الخاص السابق، طارق محمد عبد الله صالح، ابن شقيق الرئيس السابق، ملحقاً عسكرياً في ألمانيا. أما وكيل جهاز الأمن القومي السابق، عمار محمد عبد الله، فجرى تعيينه ملحقاً عسكرياً في سفارة اليمن لدى اثيوبيا. واللافت أن هذه الدول الثلاث، كانت مرشحة لاستضافة صالح إبان الحديث عن تسوية لاخراجه من اليمن، فضلاً عن أن لعائلة صالح استثمارات مالية وعقارية كبيرة في هذه الدول. أما اللواء علي محسن الاحمر، والذي كان يقود الفرقة الاولى مدرع في الجيش، فعين مستشاراً لدى الرئيس للشؤون العسكرية والامنية.
الأخبار السارة لليمنيين بدا، مساء أول من أمس، أنها لا تريد أن تتوقف. فالعقيد الركن، هاشم عبد الله بن حسين الاحمر، عين ملحقاً عسكرياً في سفارة السعودية، التي لطالما تمتعت عائلة الأحمر بعلاقات وطيدة معها وصلت إلى حد وصف اليمنيين لآل الأحمر بأنهم رجال السعودية في اليمن.
وجاءت هذه القرارات، التي وصفت بأنها جوائز ترضية لآل صالح والأحمر لتؤكد رغبة هادي في نزع معظم الوجوه القبلية من داخل مؤسسة الجيش تمهيداً لاستكمال عملية هيكلته التي كان قد بدأها في مطلع آذار 2012 عبر سلسلة من القرارات المتقطعة، التي قلصت نفوذ عائلة صالح واللواء الأحمر على الجيش قبل أن يقوم بضربته القاضية أول من أمس بإخراجهم من المؤسسة العسكرية كلياً. وهو الخبر الذي شعر كثير من اليمنيين بعد ساعات من صدوره بأنه مزحة ولا بد أن يتبعه نفي. فهم لم يصدقوا أن إعادة هيكلة الجيش اليمني، التي انتظروها بعد موافقة صالح على توقيع المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية في الرياض في تشرين الثاني من العام الماضي، ستمضي إلى نهايتها. وما لم يكن يتصوره اليمنيون أيضاً أن يخرج كبار العسكر الذين صدرت قرارات ابعادهم عن مناصبهم العسكرية للاعلان عن تأييدهم لكل ما صدر من قرارات رئاسية، ويخلع كل من أحمد علي عبد الله صالح، واللواء علي محسن الأحمر بذتهما العسكريتين داحضين كل التوقعات بتمردهما، بعد سوابق لهما بعرقلة مواصلة هادي لهيكلة الجيش. الصحافي نبيل الصوفي، الذي يعمل في السكرتارية الاعلامية المختصة بشؤون صالح ونجله، أعلن عبر صفحته الشخصية في الموقع الاجتماعي «الفايسبوك» أنه التقى بالوريث السابق في مكتبه التابع لـ«مؤسسة الصالح الخيرية». وعندما سأل الصوفي أحمد الذي نشرت له صورة يرتدي بذة مدنية عن رأيه في التغييرات التي حصلت، قال وفقاً للصوفي «نحن مدنيون اليوم، والأفضل ألا نتحدث في شؤون الجيش». كذلك ظهر علي محسن الأحمر بالزي اليمني التقليدي داخل مكتبه وهو محاط بشيوخ وشخصيات يمنية.
لكن ماذا حدث قبل صدور هذه القرارات؟ مصدر مقرب من اللواء الأحمر، أكد لـ«الأخبار» أن السفير الأميركي، جيرالد فايرستاين، طلب الاجتماع مع قائد لواء الفرقة أولى مدرع، قبل ثلاث ساعات من إعلان هادي قراراته من أجل هيكلة الجيش. وقال المصدر إن فايرستاين أخبر اللواء أن لا خيار أمامه سوى التسليم بالقرارات التي سوف يتم إعلانها وإلا فإن العقوبات ستكون شديدة ضد أي معرقل لها، بحسب توجيهات مجلس الأمن الدولي. ليس معلوماً شكل تلك العقوبات التي كانت تنتظر اللواء الأحمر لو كان رفض القرارات الجديدة، لكن قوتها ظهرت بشكل عملي في الطريقة التي تعامل معها مع قرار اقالته من الجيش، بعد الهدوء الذي ساد المنطقة التي يسيطر عليها في جنوب صنعاء عبر المعسكر الكبير الذي كان قائداً له. وهو المعسكر الذي صدر قرار رئاسي آخر بتحويله إلى حديقة عامة باسم «حديقة 21 مارس 2011»، وهو تاريخ انضمام اللواء الأحمر للثورة بعد مجزرة الثامن عاشر من آذار التي راح ضحيتها 53 من شباب الثورة.
الصحافي اليمني، سامي غالب، أكد لـ«الأخبار» أن القرارات تأخرت كثيراً باعتراف هادي نفسه، لكنها «تضع قدماً لليمن باتجاه المستقبل»، ولا سيما أن قرارات هادي كانت تتعلق بمطالب شعبية لطالما رفعتها قوى الثورة الشبابية، وبعضها كان حتى مطلباً داخل الائتلاف الحاكم، وتحديداً أحزاب اللقاء المشترك.
كذلك فإن النقاط الـ20 التي قدمتها اللجنة الفنية للحوار الوطني كخطوة للتهيئة للحوار الوطني، الذي انطلقت أعماله الشهر الماضي، ضمت أيضاً مطالب بشأن اعادة هيكلة الجيش. وهي النقاط التي تجاهلتها الرئاسة قبل أن تعود إلى الواجهة الأسبوع الماضي بالتوقيع عليها من قبل قرابة 400 عضو في الحوار، ومطالبة الأعضاء لهادي بتنفيذها قبل استكمال جلسات الحوار.
ظرف اضافي دفع هادي، من وجهة نظر غالب، لاتخاذ هذه الخطوة، وخصوصاً أن الرئيس، الذي انتخب في 25 شباط 2012، بدا أنه خسر خلال العام الأول من حكمه الآمال المعقودة عليه للتغيير، لأنه ظهر مكبّلاً من قبل مجموعة من مراكز القوى. وهي الآمال التي بدا أن هادي استطاع أمس أن يستعيدها في غضون ساعات نتيجة التأييد الجارف الملموس لقراراته في مختلف الأوساط اليمنية.
النقطة الثانية، والأكثر دلالة تتمثل في عدم صدور أي اعتراضات أو مقاومة لقرارات هادي، وهو ما رأى غالب أنه يطيح كل الحجج التي كانت بعض الأطراف تلجأ إليها للتهويل من انفجار الوضع الأمني في البلاد في حال اتخاذ مثل هذه القرارات.
ولذلك فإن هادي، من وجهة نظره، ظهر للمرة الأولى كرئيس فعلي لليمن، ما سيدفعه قدماً للمضي في اتخاذ المزيد من القرارات المطلوبة لمعالجة مشاكل اليمن، وتحديداً في الجنوب وصعدة، وخصوصاً بعدما حصّن نفسه باعلانه أول من أمس عن انشاء قوة احتياط تتألف من ستة ألوية، تتبع لوزارة الدفاع. وهي القوة التي أكد مصدر عسكري لوكالة «اسوشييتد برس» أن مهمتها ستكون حماية هادي والحكومة اليمنية من الانقلابات العسكرية والاضطرابات الأخرى.
كذلك أمر هادي، الذي التقى السفراء الغربيين قبل ساعات من قراراته، باعادة تقسيم المناطق العسكرية في اليمن وتعيينه قادة جدداً لها، وهو ما استتبع صدور ردود فعل متفاوتة تجاه هذه التقسيمات. بعض الأطراف رأت أن هذا القرار يصب في صالح معسكر حزب الإصلاح، تنظيم الإخوان المسلمين في اليمن وعلي محسن الاحمر، وخصوصاً بعد تعيين اللواء الركن محمد علي المقدشي، في محافظة عمران التي تتصل بمحافظة صعدة، وهما المحافظتان اللتان يتواجد فيهما الحوثيون.
لكن غالب اعتبر أن بعض هذه الهواجس في ما يخص صعدة قد يكون بالامكان ازالتها، وخصوصاً أن الحوثيين استقبلوا بارتياح قرار ابعاد علي محسن الأحمر من الجيش، بوصفه غريمهم الذي خاض ضدهم ستة حروب. كذلك أوضح أن الآراء القائلة بأن التغييرات في المناطق العسكرية، وحتى اسماء قادتها تصب في صالح الأحمر، غير دقيقة، لافتاً إلى أنه يوجد قادة عسكريون جنوبيون تم اختيارهم ليكونوا قادة محاور وألوية، بعضهم كان من قيادات الحزب الاشتراكي وممن شاركوا في الدفاع عن الجنوب ابان حرب 1994، يوم أعيد فرض الوحدة. وكان بعضهم منفياً إلى الخارج قبل أن يعودوا إلى اليمن قبل سنوات، وبينهم اللواء الركن محمود احمد سالم الصبيحي، الذي عين قائداً للمنطقة العسكرية الرابعة ومقر قيادتها عدن، مشدّداً على أهمية هذا القرار وتحديداً في أوساط الجنوبيين.
وبالرغم من التوقعات بحدوث حالة من الانكار حول أهمية قرارات هادي لدى فئات من الجنوبيين، يبقى أنها المرة الأولى في تركيبة الجيش اليمني، سواء ما قبل الوحدة في اليمن الشمالي أو ما بعدها، التي تحتكر فيها مؤسسة رئاسة الجمهورية ووزراة الدفاع قرار الجيش، وتصبحان المتحكم الأول به وليس مراكز قوى سياسية وقبلية متعددة. ولذلك يمكن وصف ما قام به هادي بالاستثنائي في تاريخ اليمن منذ نشأته، وسيكون له تداعيات حتمية على موقع الجنوب في المعادلة القادمة في مستقبل اليمن، وخصوصاً أنه لن يكون بمقدور أي شخص القول إن هادي مجرد رئيس تسوية وأن القرارات تحتكرها مراكز قوى شمالية، فما فعله هادي لم يستطع أي رئيس يمني سابق اتخاذه.



ترحيب حذر في الجنوب

وصف الكثير من الجنوبيين قرارات الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، بالشجاعة، وقالوا إنه استطاع أن يفكك منظومة الحكم العائلي ويبعد تجار الحروب عن قيادة الجيش. لكنهم مع ذلك، اعتبروا أن ذلك لا يعني انتهاء قضية الجنوب وحلها عبر هذه القرارات، لأنها لن تعكس واقعاً ملموساً على الأرض في الجنوب. الناشط عبد العزيز الحدي، لفت إلى أن هادي ينتمي لحزب المؤتمر، الذي لا يزال يرأسه علي عبد الله صالح المتواجد حالياً في السعودية. كما أشار إلى أن هادي تم اختياره لهذا المنصب بتراض بين قطبي السلطة في صنعاء ليحكم بطريقة توافقية بينهم، معتبراً أن «توافق تلك القوى على هيكلة الجيش لن ينصف قضية الجنوب أو يلامس مظلمة الجيش الجنوب الذي تم تدميره عام 1994». الهيكلة في نظره، التي أطاحت أحمد صالح (الصورة)، «هي ما تتوافق عليه القوى السياسية والأطراف الفاعلة في البلد وليست حكراً على تلك المنظومة الفاسدة التي ستعمد إلى تكريس تأثيرها والإبقاء على زمام القرار العسكري بأيديها».