القاهرة | لا يخرج الرئيس المصري محمد مرسي على شعبه بخطاب إلا ويثير القلائل والخلافات، سواء لدى أنصاره من جماعة الإخوان وحزبها الحرية والعدالة، أو لدى معارضيه من جبهة الإنقاذ الوطني، وآخرها الخطاب الذي ألقاه يوم الأحد الماضي خلال مؤتمر «مبادرة دعم حقوق وحريات المرأة المصرية» الذي توعد فيه المحتجين والمعارضة.
أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، حسن نافعة، أكد أن «كل خطابات الرئيس حتى الآن تؤكد عدم وجود رؤية واضحة لإدارة الدولة، وتشير إلى أن سياسة الحكم فيها قدر كبير من التضارب»، منتقداً تراجع مرسي عن القرارات التي يعلنها في خطاباته، مثل تراجعه عن قرار حظر التجوال الذي كان يفترض أن يطبق على مدن القناة 30 يوماً.
وأوضح نافعة أن مرسي «أحياناً يتخذ خطوات تثير استفزاز شعبه من حيث التوقيت، وكثيراً ما تكون غير مدروسة، مثل مواعيد انتخابات مجلس النواب التي حدد إجراءها في نفس مواعيد أعياد الأقباط المصريين قبل أن يضطر إلى تعديلها، فضلاً عن شكره لجهاز الأمن المركزي على دوره في الثورة، وهو ما أغضب الكثير من المصريين».
تكرار وقوع مرسي في مثل هذه الأخطاء في خطاباته، يوضح نافعة أنه يؤكد عدم دراسته العميقة ولا فهمه للسياسة المصرية، ولا أساليب علاج مشكلات دولة كبيرة بحجم مصر. كذلك يتضح، وفقاً لنافعة، وجود سياسات وقرارات ترتبط بجماعة الاخوان المسلمين التي نشأ في رحمها الرئيس. ولذلك أرجع هذه القرارات غير المدروسة إلى حرص الجماعة على الهيمنة على مقدرات الدولة، في الوقت الذي تفتقر فيه إلى الخبرات والكفاءات اللازمة، ومن أمثلة ذلك قرارات تعيين المحافظين التي احتوت على عدد من الإخوان غير مختصين في هذا الشأن.
واللافت ارتفاع نبرة التهديد التي بات يستخدمها مرسي في بعض من خطاباته، ومنها تهديده لبعض معارضيه قبل أيام بقوله «اللي طالع من السجن أول امبارح لو فكر يتحرك خطوة فلن يناله إلا كل صرامة وشدة، اللي يحاول يتصل به من زبانيته القدامى فلن يكون هناك إلا كل صرامة وشدة، اللي يحاول يسافر عشان يقابل حد فلن يكون هناك إلا كل صرامة وشدة، ولن أسمح بغير ذلك، وسأقول لهذا الشعب ما يجري». أو حتى بقوله «اللي هيحط صباعه في داخل مصر هقطعه. هقطع الصباع ده. فأنا شايف صباعين تلاتة بيتمدوا جوه مصر من توافه ليس لهم قيمة في العالم، ويظنون أن المال يمكن أن يبني رجالاً، وهذا لا يمكن أبداً ولن أسمح لهم بذلك».
عن هذه التصريحات يقول نافعة إنها لغة لا تليق برئيس جمهورية. فهي لغة الطرف الضعيف وليس القوي. أما التهديد والإجراءات الاستثنائية فهي لغة العاجز وكثيراً ما تأتي بنتائج عكسية، مستدلاً على ذلك بحادثة اغتيال الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات عندما لجأ إلى إجراءات استثنائية مثل الاعتقالات.
بدوره، يرى عبد الفتاح ماضي، أستاذ العلوم السياسية، أن مراجعة خطابات الرئيس أمر ضروري، ويجب أن يعكف على إعدادها خبراء ومتخصصون، خصوصاً في الجانبين السياسي والاقتصادي، ولا سيما بعد الأثر السلبي الذي سببته بعض قراراته في الآونة، وأدت إلى حدوث هبوط في البورصة المصرية لم تكن نتائجه محسوبة، في دولة بطبيعة الحال تعاني من مشاكل اقتصادية ولا تحتمل مزيداً من الاستقطاب. ماضي لم يغفل التأكيد أن «للرئيس بعض الخطابات التوافقية، ولكنها لم تقترن بالأفعال «والسياسة أفعال أكثر منها خطباً»، لكن هذا الأمر لا يلغي من وجهة نظره حقيقة ضرورة «إدراك المعارضة أنها لن تقضي على أول رئيس مدني للبلاد بالضربة القاضية».
من جهته، يلفت الخبير الإعلامي صفوت العالم إلى أن ما يثير الأزمات هو ترك الرئيس لمضمون الخطاب واعتماده على الارتجال بما يضر بطريقة أدائه أمام المواطنين الذين يجلسون أمام شاشات التلفاز لرؤيته وسماع خطبه. وأوضح أن حديث الرئيس عن اختباء شخصين أو ثلاثة في ما سماه «بالحارة المزنوقة»، خلال أحد خطاباته، أدى إلى إحداث نوع من الالتباس في المضمون الذي يصل إلى المواطن. وانتقد أيضاً تهديده للإعلام والصحافيين بشكل عام في خطابه الأخير حينما قال: «البعض يستخدم وسائل الإعلام للتحريض على العنف، ومن يثبت تورطه فلن يفلت من العقاب. لا بد من إعمال القانون إذا ما تعرض الوطن للخطر. فالأخبار الكاذبة جريمة والتحريض على العنف جريمة. لأن العنف هو الجريمة الأصلية، ولكن التحريض عليها هو مشاركة فيها. ولن يفلت أحد من العقاب. وأريدكم أن تتذكروا كلامي هذا. لن يفلت أحد من العقاب».
ويقول الخبير الاعلامي إن كل كلمة من فم الرئيس في مرحلة التحول السياسي الحالية تزن 100 طن، وبالتالي عدم استخدامه لبعض الالفاظ بدقة يثير القلائل والخلافات بين جماعته «الإخوان المسلمين»، ومعارضيه في جبهة الإنقاذ، مشدداً على ضرورة تدريب مرسي على طريقة الأداء اللفظي قبل أن أي خطاب مقبل. لكن أحمد مطر، عضو المكتب السياسي لحزب الحرية والعدالة في محافظة الإسكندرية ورئيس المركز العربي للبحوث السياسية والاقتصادية، يقول إنه لا بد أن يتم تحليل الخطابات طبقاً للظروف المحيطة بها مع ربطها بالنتائج التي أسفر عنها على أرض الواقع، مؤكداً أن الاتجاه العام لخطابات مرسي خلال الـ9 أشهر الماضية اتسم بالإقلال من لغة التهديد أو التحذير لمعارضيه السياسيين «وذلك على عكس توقعاتنا جميعاً، وعكس خطاب مختلف الرؤساء الذين يحكمون عقب الثورات».
ويرى مطر أن «الخطاب الأخير هو الوحيد الذي لمّح الرئيس خلاله إلى أنه «سيلجأ الى إعمال القانون إذا ما تعرض الوطن للخطر» ضد معارضيه، فهو لم يستخدم هذا التحذير إلا بعد أن تبيّن له أن هذه هي إرادة الأغلبية العظمى من الشعب المصري، ومعظم شرائح المجتمع».
«إرادة» تعكسها، وفقاً لرئيس المركز العربي للبحوث السياسية والاقتصادية، نتائج استطلاع رأي أجري لمختلف قطاعات الشعب المصري من عمال ورجال أعمال وفلاحين وصناع وتجار، وأظهر أن خطاب الرئيس لاقى ترحيباً بنسبة 87.5 في المئة.
ويشير مطر إلى أن «الرئيس استخدم في خطاباته منذ 21 تشرين الثاني قاعدة أن الزمن جزء من العلاج، وبالفعل استطاع خلال فترة زمنية أن يفصل بين القوى الثورية الحقيقية والقوى المدعومة بالبلطجة»، معتبراً أنه «يجب أن يكون الرئيس أكثر حزماً في تطبيق القانون مع مثيري الشغب وأحداث العنف، مثلما فعل مع أنصار الثورة المضادة كفاروق العقدة، محافظ البنك المركزي السابق».