تونس | توعد الرئيس التونسي المؤقت محمد المنصف المرزوقي، معارضي الترويكا ممن سماهم «العلمانيين» بنصب المشانق وبثورة جديدة لن تجد عقلاء يوجهونها مثله ومثل شريكيه راشد الغنوشي ومصطفى بن جعفر. جاء هذا التصريح من عاصمة إمارة قطر، التي بدأت تثير الكثير من التشنج في الشارع التونسي، بسبب ما تعتبره قوى المعارضة تدخلاً في الشأن التونسي عبر دعم الحزب الحاكم مالياً وسياسياً، وعبر شبكة تجنيد الشبان التونسيين في سوريا وتقديم قروض بفوائض خيالية جعلت عدداً من المحللين الاقتصاديين يتحدثون عن «استعمار» قطري.
الرئيس المؤقت، ومن خلال حديثه على شاشة «الجزيرة» التي أصبحت فئات واسعة من التونسيين لا تخفي كرهها لها، يبدو أنه قطع شعرة معاوية مع المعارضة. المرزوقي تناسى تحفظاته على حركة النهضة، التي اتهمها صراحة في افتتاح مؤتمر حزبه بـ«التغول» والسيطرة على أجهزة الدولة. وتجاهل خلافه الذي كاد يدفعه الى الاستقالة مع رئيس الحكومة السابق حمادي الجبالي، على خلفية تسليم البغدادي المحمودي (آخر رئيس وزراء في عهد الزعيم الليبي معمر القذافي). وبعدما دعا أكثر من مرة الى تشكيل حكومة كفاءات وندد علناً بمنطق المحاصصة الحزبية، تراجع عن كل ما وجّهه لـ«النهضة» من نقد واتهامات وتحول فجأة الى «محامٍ» شرس عنها مرتبط في رأي العديدين من متابعي الشأن السياسي التونسي بالانتخابات المقبلة.
لقد أدرك الرئيس أن حزبه «المؤتمر من أجل الجمهورية» انتهى ولم يعد له أي حضور ميداني بعد انشقاق ثلاثة أحزاب عنه؛ حركة وفاء بقيادة الأمين الأسبق للحزب عبد الرؤوف العيادي، وحزب الإرادة (بصدد التكوين) بقيادة الأمين العام المستقيل حديثاً محمد عبو، وحزب الإقلاع بقيادة الطاهر هميلة (أكبر أعضاء المجلس التأسيسي سناً الذي ترأس أول جلسة للمجلس).
حزب المؤتمر أصبح حضوره مختزلاً في الوزراء ومستشاري الرئيس. ليس هذا فقط، بل إن قطاعات واسعة تُحمّل الرئيس مسؤولية انهيار البلاد وعجزه عن حماية المكاسب المدنية التي أصبحت مهددة بجدية، وبالتالي فقد خسر أي إمكان للتحالف مع القوى
الديموقراطية.
لهذا السبب، يبدو أن المرزوقي اختار الاصطفاف وراء «النهضة» ليقينه أن ذلك هو الإمكان الوحيد المتبقي له ليترشح ثانية في الانتخابات الرئاسية. ولكن لا أحد يعتقد أن الحركة الإسلامية ممكن أن ترشّح المرزوقي مرة أخرى، ولذلك أكثر من سبب: أولها المتاعب التي لحقتها بسببه، إذ لم يتردد أكثر من مرة في توجيه انتقادات موجعة لها. وهو ما اعتبره عدد من صقورها تجاوزاً لخطوط حمراء ما كان له أن يتجاوزها وأنه تعامل معها بمنطق براغماتي يريد أن يجني الربح، من دون أن يشاركها في الخسارات. كما تدرك «النهضة» أيضاً أن المرزوقي خسر شعبيته ولم يعد ذلك الحقوقي الفقير الذي يسحر التونسيين بنبل خطاباته.
ويبدو أن الحركة لن تعوّل في الانتخابات المقبلة إلا على أبنائها، وخصوصاً حمادي الجبالي الذي يحظى بثقة كبيرة من التونسيين بعد مغادرته للحكومة وما حف بذلك من تفاصيل ومعطيات. ولا يزال الرئيس التونسي متهماً في رأي عدد كبير من التونسيين بأنه يتلقى أموالاً من موقع «الجزيرة»، مقابل مقالاته بعد ما كشفه اللبناني سالم زهران.
كما أنه لم يوفق في التعبير عن مواقفه من المعارضة، وخاصة الجبهة الشعبية التي كال لها الاتهامات ضمناً، إذ إن زعيم الجبهة حمة الهمامي هو الذي أعلن اعتزام الجبهة إسقاط الحكومة عبر الإضرابات والاحتجاجات الشعبية. كذلك الجبهة هي المتهمة بـ«التطرف العلماني» وخاصة من حركة النهضة.
وبتصريحاته على قناة «الجزيرة»، يكون الرئيس المؤقت قد خسر المعارضة من دون أن يربح «النهضة»، التي تؤكد كل المؤشرات أنها أغلقت الملف نهائياً مهما قدم الرئيس من خدمات لها بعدما خسر أنصاره وتفتت حزبه.