دخول الجيش داخل دائرة العنف وعودة محاصرة أماكن حيوية وسقوط قتلى وجرحى، مؤشرات تكشف يوماً بعد يوم تزايد تصاعد وتيرة العنف في مصر، لتأخذ أشكالاً جديدة وتكتسب مساحات متجددة، لا سيما مع اقتراب يوم 9 آذار المقبل المرشح أن يكون يوماً غير عادي، لكونه يتضمن جلسة النطق بالحكم في قضية مقتل متظاهري النادي الأهلي المصري في استاد مدينة بورسعيد قبل نحو عام، كما أن هذا اليوم محدد لفتح باب الترشح لانتخابات مجلس النواب المصري التي دعت قوى سياسية عديدة إلى مقاطعتها، الأمر الذي أجّج غضب بعض المناهضين للقوى الإسلامية لمشاركتها فيها، بما ينبئ بوجود مناوشات أو مصادمات محتملة. يأتي هذا وسط صمت رئاسي مطبق، وفي الوقت الذي يحاول فيه سياسيون طرح مبادرات للخروج من الأزمة، فيما تلوح في الأفق بوادر صدام اقتصادي بين النظام وآل ساويرس دفعت ثمنه أمس البورصة المصرية بخسارتها أكثر من مليار دولار.
زيادة وتيرة العنف وتنوع أشكاله، كشفتهما عودة الاشتباكات مرة أخرى بكثافة إلى محيط منطقة وسط البلد حتى امتدت إلى كوبري أكتوبر أشد الكباري حيوية في القاهرة، ومنطقة الكورنيش، فضلاً عن عودة ألتراس النادي الأهلي إلى محاصرة بعض الأماكن والمؤسسات الحيوية في القاهرة والاسكندرية ليوجهوا رسالة مبطنة مشابهة لتلك الرسالة الأولى التي حاول إيصالها قبل جلسة النطق بالحكم.
إلا أن المؤشر الجديد والخطير في المشهد برمته هو ما جرى في محافظة بورسعيد على مدى يومين، فالاشتباكات التي اندلعت يوم الأحد بين قوات الأمن ومتظاهرين على خلفية نقل متهمي مذبحة «استاد بورسعيد» من سجن المدينة اتسعت دائرتها لتضم داخلها قوات الجيش التي حاولت وقف هذه الاشتباكات والحيلولة دون تصاعدها، خاصةً بعد إطلاق رصاص حيّ من اتجاه مكان الشرطة المتمترسة داخل مديرية أمن بور سيعد، ليصل الأمر إلى تبادل إطلاق نار من الجانبين.
وفيما نفت قوات الجيش والشرطة أن يكون الرصاص موجّهاً من طرفها للطرف الثاني، إلا أن الثابت هو وجود طلقات نارية أدت إلى وفاة أحد جنود القوات المسلحة وإصابة ضابط برتبة كبيرة، بينما اندلعت النيران في جزء من مبنى المديرية وسقط شرطيان قتلى. وتجددت الاشتباكات مرة أخرى بين مشيّعي جثامين المحتجين الثلاثة في أحداث أول من أمس وبين الشرطة التي ردّت بقنابل الغاز. واضطرت قوات الجيش إلى إطلاق رصاص من إحدى مدرعاتها برشاش ثقيل، وارتفعت الإصابات على مدى يومين إلى ما يزيد على 568 في محافظات القاهرة وبورسعيد والدقهلية التي تشهد أحداث عنف بكثرة، وتواصلت أمس لليوم الحادي عشر على التوالي إلى ما يزيد على 600 مصاب.
وعلى الرغم من تأكيد القوات المسلحة مساء أول من أمس، على لسان متحدثها، عدم وجود اشتباكات بين الجيش والشرطة، وأن عناصر مجهولة هي من قامت بذلك، ومناشدته شعب بورسعيد عدم الاقتراب أو مهاجمة مبنى المحافظة أو المنشآت التي يؤمّنها الجيش حفاظاً على أرواح المدنيين، اعتبر كثيرون موقف الجيش غامضاً. وهو ما طرح أسئلة عديدة عن احتمال قرب حدوث صدام بين مؤسّستي القوة في مصر، ولا سيما مع وجود تسريبات من داخل المؤسسة العسكرية عن تشكيل لجنة سرية للتحقيق في الأمر، فضلاً عن حديث المتحدث الرسمي باسم الجيش عن الدفاع عن بورسعيد وشعبها ومقدراتها «مهما كانت التضحيات».
أما الشرطة فبدت في بيانها الذي صدر بعد بيان الجيش بفترة، أنها راغبة في التنصل من المسؤولية عن أي عنف بصفة عامة عبر اتهامها «عناصر مجهولة» بإطلاق النار صوب القوات المسلحة التي كانت مجاورة للمتظاهرين.
هذا كله قرأه متابعون كُثر بأنه إما محاولة لتفجير الوضع بين الشرطة والجيش ودفع الجيش إلى الانقلاب على المشهد السياسي برمته، ما قد يؤجّج غضب الإسلاميين ويدفعهم إلى النزول إلى الساحة مع ما يحمله ذلك من تداعيات، أو وجود فريق داخل النظام القديم يريد تفجير الوضع وإثبات صوته العالي وإسالة مزيد من الدماء بما قد يحول دون إجراء الانتخابات.
ومن بين هذا الضباب الكثيف خرجت أمس مجموعة من المبادرات، أولاها لمحمد البرادعي الذي تحدث في تغريدة عبر حسابه على «تويتر» عن 5 خطوات، معتبراً أن «بداية الإصلاح تأتي من خلال حكومة ذات مصداقية واستعادة الأمن وإنقاذ الاقتصاد وعدالة انتقالية ومصالحة وطنية وتعديل الدستور وقانون انتخابات يحقق المساواة». وهو ما تشابه مع دعوة عمرو موسى الذي طالب بتأجيل الانتخابات.
إلا أن المبادرة الأكثر تفصيلاً كانت مبادرة عمرو حمزواي، النائب السابق في مجلس الشعب، التي دعا فيها إلى نبذ العنف وتأجيل الانتخابات من ستة أشهر إلى سنة، ووقف انتهاكات حقوق الإنسان، والكف من قبل المعارضة عن الدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة، والتعهد بالتحقيق في كل ما جرى في الدقهلية ومدن القناة والقاهرة، وتشكيل حكومة شراكة وطنية.
وهي مبادرات تأتي في ظل مخاوف للحكومة، عبّر عنها وزير الدولة لشؤون المجالس النيابية عمر سالم، من الطعن في قانون الانتخابات عبر رقابة لاحقة للدستورية على قانون الانتخابات بعد عدم إرساله للمرة الثانية من قبل مجلس الشورى إلى المحكمة الدستورية بعد تعديل الملاحظات التي أبدتها.
وضع لم يكن ينقصه سوى ضربة للاقتصاد بعدما تكبّدت البورصة المصرية أمس أكبر خسارة لها في يوم واحد خلال ثلاثة أشهر، في أعقاب الأنباء المتضاربة عن منع الرئيس التنفيذي لأوراسكوم للإنشاء والصناعة، ناصف ساويرس ووالده أنسي ساويرس، من مغادرة البلاد على خلفية اتهامات بالتهرّب الضريبي. وفي حين أكدت مصادر العائلة أنهما خارج البلاد، أشار البعض إلى وجود كيدية في التعاطي مع عائلة ساويرس بسبب موقف نجيب ساويرس من حكم الإخوان.
وهبط سهم أوراسكوم للإنشاء والصناعة، أكبر شركة مدرجة في البورصة، 3.6 في المئة إلى 250 جنيه، فيما قدرت خسائر البورصة بـ7،2 مليارات جنيه (أكثر من مليار دولار) بعدما هبطت معظم الأسهم، في خسارة هي الأكبر منذ أشهر.
يضاف إلى كل هذا الوضع المتأزم شبح الفتنة الطائفية بعد إعلان إلقاء القبض على مسيحي بتهمة التحرش بطفل الجيران، وإشعال المسلمين النار في منزله في أسيوط.