بغداد | أفرجت السلطات العراقية، الاثنين الماضي، عن نائب محافظ البنك المركزي العراقي مظهر محمد صالح، بكفالة بلغت 50 مليون دينار (أي ما تصل قيمته الى 40 ألف دولار أميركي)، إلا أن قضيته لا تزال قيد التحقيق. وجاءت هذه القضية على خلفية إقالة محافظ البنك المركزي سنان الشبيبي، وصدور مذكرة اعتقال بحق القائمين على البنك بتهمة «سوء إدارة الأموال والتقصير في العمل»، ما حدا بصالح الى تسليم نفسه لمركز شرطة العلوية في بغداد في 4 كانون الأول من العام الماضي.
وتحمّل الحكومة العراقية القيّمين السابقين على البنك المركزي مسؤولية وجود زيادة كبيرة في الطلب على مبيعات الدولار، حيث لم تتجاوز مبيعات المزاد المركزي في نهاية 2010 الـ 200 مليون دولار يومياً، ثم قفزت في 2011 لتسجل رقماً قياسياً هو 500 مليون دولار يومياً، مؤكدةً، استناداً الى ذلك، حصول عمليات غسل وتهريب أموال الى الخارج، جاءت بعد اشتداد الحصار على سوريا وإيران. هذه الرؤية الحكومية دفعتها الى إقالة المحافظ السابق سنان الشبيبي وتعيين عبد الباسط تركي خلفاً له، بالإضافة الى إصدار 30 مذكرة اعتقال للعاملين في البنك. في المقابل، وُجّهت انتقادات عديدة لهذه الإجراءات، وانطلقت من مصدرين: الأول كان برلمانياً، مدّعياً بأن «إقالة الحكومة للشبيبي بالإضافة إلى إجراءات أخرى هي تجاوز لسلطة البرلمان ومحاولة منها للسيطرة على الاحتياطي المالي للبنك المركزي». والمصدر الثاني قانوني يعتبر أن من غير القانوني إصدار مذكرات اعتقال تحت عنوان «سوء إدارة» للمرفق الاقتصادي الأول في البلاد، من دون رفقها ببراهين تدلل على صحة الادعاءات الحكومية.
من جهته، علّل نائب محافظ البنك المركزي العراقي، مظهر محمد صالح، ما تعرض له من اعتقال الى «صراع خفي» حول شكل البلاد وترنحها بين الاشتراكية واقتصاد السوق الحر. وقال، في حديثه إلى «الأخبار»، إنه «ليس بإمكان النظام الاقتصادي الريعي في العراق، والذي يعتمد اعتماداً كلياً على النفط، أن يسمح باقتصاد السوق الحر بالتنامي في البلاد، الأمر الذي ولّد صراعاً بين منظومة رأس المال الحكومي، ورأس المال الخاص في البلاد»، منوهاً بأن «هذا الصراع اتخذ من البنك المركزي العراقي ساحة له عبر المزاد العلني للعملة الصعبة الذي يديره البنك». وأضاف صالح إن «البنك المركزي عدّل قانونه ليتماشى مع طبيعة الاقتصاد الحر في البلاد»، مشيراً الى «إصدار تعليمات جديدة بتنظيم عملية بيع العملة الصعبة، إلا أنه لن يسهم في تغيير الواقع لاستمرار حالة الصراع الخفي، الذي لم أكن أنا وغيري سوى ضحية له، علماً بأن تجليات هذا الصراع ستتجلى خلال الفترة المقبلة بصورة أكثر وضوحاً».
بدوره، أوضح الخبير الاقتصادي، ميثم لعيبي، في حديث الى «الأخبار»، أن «موضوع استقلال البنك المركزي، وربطه بالسلطتين التشريعية أو التنفيذية كان مثار جدل، حُسم بالنهاية لصالح أن يتم ربطه بالسلطة التشريعية، باعتباره ممثلاً عن الشعب صاحب المصلحة»، مضيفاً إن «العلاقة أخذت بالتأزم بين الحكومة وإدارة البنك المركزي عندما طلبت السلطة التنفيذية اقتراض مبلغ مالي من احتياطي البنك المركزي لتمويل عدد من المشاريع، وردّت إدارة البنك بالرفض». وتابع لعيبي قائلاً إنه «حدثت خلال الأشهر الماضية ارتفاعات ضخمة في سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار الأميركي، عندها اتهمت الحكومة شخوص البنك المركزي متمثلة بمحافظه سنان الشبيبي ونائبه مظهر محمد صالح، بالإضافة الى 18 شخصاً آخرين من العاملين في البنك المركزي». وأشار الى أن «البنك المركزي كان يعمل خلال الفترة الماضية بصورة كلاسيكية شبيهة بتلك التي تعمل على أساسها أغلب المصارف المركزية في العالم، لكن الحكومة التنفيذية بدأت تفكر ملياً بإعادة ربط السياسة النقدية في البلاد بها، وذلك عبر تشكيلها لجاناً مختصة بهذا الشأن، حيث من المتوقع أن نسمع خلال الفترة المقبلة بإعادة صياغة قانون البنك المركزي في العراق».
ومنذ اليوم الأول لإعلان نبأ اعتقال نائب محافظ البنك المركزي، تحولت القضية الى مسألة رأي عام حيث طالب العشرات من المختصين بالشأن الاقتصادي والناشطين بالإفراج عن صالح باعتباره شخصية اقتصادية عملت على تنظيم السياسة النقدية في البلاد خلال فترات الأزمات. وبهذا الشأن، يذكر الصحافي الاقتصادي، ليث محمد رضا، الذي أسهم في الإشراف على صفحة «إنقاذ صالح» على «فيسبوك»، أن «قضية الدكتور مظهر كانت اختباراً حقيقياً لنا كنخب اقتصادية في مدى قدرتنا على الدفاع عن رموزنا الفكرية والوطنية، وبالتالي كان التحدي بأسلوب عرض الحقائق ومحاولة تبسيط الخلاف الذي أدى الى اعتقال دكتور مظهر». وبيّن رضا أنه «لا يصح تجريم شخصية عامة بتهمة اجتهاد ينطلق من متبنيات فكرية عندما يكون ذلك الفعل جزءاً من واجبات وظيفتها العامة، كما أن الدكتور يتمتع بحصانة قانونية عن القرارات التي يجتهد باتخاذها أو يسهم فيها وفق المادة 23 من قانون البنك المركزي العراقي»، داعياً الى «تعويض صالح عن فترة اعتقاله وردّ اعتباره مادياً ومعنوياً». وفي السياق، كشف مصدر مطلع، رفض الكشف عن هويته، لـ«الأخبار»، عن دور للمرجعية الدينية في النجف، متمثلة بالسيد علي السيستاني، في إخلاء سبيل نائب محافظ البنك المركزي. وذكر بأن «وفداً أرسله رئيس الوزراء نوري المالكي، برئاسة نائبه لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني، للقاء السيستاني وذلك لبحث الظروف التي تشهدها البلاد»، مستدركاً بالقول «إلا أن المرجع السيستاني رفض لقاء الوفد، وعوضاً عن ذلك، عمد نجل المرجع السيد محمد رضا الى استقباله مسلماً إياه ورقة مطالب من المرجعية تضمنت توصيات بشأن حلّ الخلافات بين إقليم كردستان وبغداد». وأضاف المصدر إن «ورقة التوصيات تضمنت مطالب بالإفراج عن نائب محافظ البنك المركزي».