القاهرة | منذ عزل الرئيس محمد مرسي، مروراً بالأحداث الأمنية التي عصفت بالمصريين خلال السنتين الماضيتين، لم يعد خافياً على أحد أن «هستيريا» اجتاحت معظم الرأي العام المصري، قوامها هواجس أمنية دائمة من «الإرهاب» و«المؤامرة». ويبدو أن النظام يستفيد من هذه المخاوف التي يمكن رؤيتها بأمّ العين، عبر حوادث كثيرة أثبتت حجم مخاوف المصريين في الآونة الأخيرة، بعضها مفهوم وبعضها الآخر مبالغ به، لكنها كلها تصبّ، في نهاية المطاف، في تشديد قبضة النظام الأمنية، مترافقة مع «تصفيقٍ» شعبي.

ففي ما ينذر بمزيدٍ من تضييق الحريات والعودة بالزمن إلى الوراء، أصدر الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، قراراً يقضي بتعديل بعض أحكام قانون هيئة الشرطة رقم 109 الصادر عام 1971، بهدف استحداث فئة جديدة ضمن أعضاء هيئة الشرطة، تحت اسم «معاون أمن»، بمهمات الضبطية القضائية.
بدأ الخناق يشتدّ على المواطنين المصريين حتى وصل إلى حدّ تجنيد بعض العاملين في المؤسسات الحكومية بغية «التلصص» على أصدقائهم، وتبليغ الشرطة عنهم في حال تحدث أحدهم بطريقة سلبية ضدّ النظام الحالي، أو ضدّ السيسي بصورةٍ خاصة، بالإضافة إلى مصطلح انتشر أخيراً هو «المواطنون الشرفاء»، للدلالة على المتطوعين بإبلاغ الشرطة عن كل مواطن يشتبه في أنه أجنبي أو معادٍ للنظام.
يسمح القانون لـ«معاون الأمن» بارتداء زيّ مدني والقبض على الناس

مفاعيل هذه الإجراءات بدأت بالظهور على إيقاع اندفاع الناس وحماستهم «لحماية أمن البلد»، مع فتاةٍ مصرية كتبت على صفحتها الشخصية على موقع «فايسبوك»، أن إحدى السيدات التي جلست بجوارها في مترو الأنفاق حذرتها من سماع المطرب المصري حمزة نمرة، «لكونه محرّضاً»، وعندما رفضت الفتاة الاستجابة «لنصيحتها»، هدّدتها السيدة بتبليغ شرطة المترو.
في السياق نفسه، يروي تقريرٌ لوكالة «فرانس برس»، وقائع من الشارع المصري، كحادثة صراخ سيدة في إحدى حافلات النقل المشترك، متهمةً راكباً بتأييد جماعة «الإخوان المسلمين» المحظورة، ما دفع الشرطة إلى ضربه أمام الناس. وأكد المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، السفير علاء يوسف، أن الفئة الجديدة التي ستستحدث، سيجري اختيارها وفقاً لأسس ومعايير خاصة، للاستفادة من حَمَلة الشهادة الإعدادية «من ذوي القدرات الصحية والنفسية والرياضية المؤهلة» لعمل رجل الشرطة. وأضاف يوسف إنه ستكون الاستفادة من الفئات العمرية الشابة ما بين 19 و23 عاماً، «عبر تأهيلهم وتدريبهم وفق أحدث البرامج الشرطية المتطورة، بما يضمن تعزيز القدرات الأمنية في مواجهة خطر الجريمة بكل أنماطها»، موضحاً أنه سيكون لمعاوني الأمن صفة الضبطية القضائية، كما ستسري عليهم القواعد الخاصة بأفراد هيئة الشرطة، فضلاً عن بعض القواعد، ومن بينها قواعد الترقي ومدة الدراسة والتأهيل ومدة الترقية.
هذه الخطوة تأتي استجابة لطلب الداخلية السابق بتوفير «شرطة مجتمعية»، تابعة لها، تحمل مهمة الضبطية القضائية، لنشر أكبر عدد من الرجال الذين حدّد لهم القرار 8 فئات وهي (ضباط الشرطة، ضباط الشرف، أمناء الشرطة، مساعدو الشرطة، مراقبو ومندوبو الشرطة، ضباط الصف والجنود، معاونو الأمن ورجال الخفر». واعتمد الرئيس في قراره على حملة المؤهلات المتوسطة، التي تميل في غالب الأمر إلى العمل طبقاً لنظام السمع والطاعة لرؤسائها، من دون مناقشة الأمر أو الاعتراض عليه، ويتيح كذلك للفئات الأربع الأخيرة أن تمارس مهماتها في زي مدني، «حسبما تستلزم المهمة ذلك».
من جهتها، لم تُبدِ القوى السياسية اعتراضاً على القرار. يقول القيادي في «تكتل القوى الثورية»، عمرو علي، إن قرار السيسي «جاء لاحتياج وزارة الداخلية إلى زيادة أعدادها لتوزيع الأعباء على رجال الشرطة الذين يؤمّنون مؤسسات الدولة والوزارات وكبار المسؤولين وأيضاً المباريات الرياضية. وأكد علي أن رجال الشرطة «يحتاجون إلى زيادة أعدادهم مع تدريبهم لتأهيلهم للتصدى للعمليات الإرهابية المتزايدة في الآونة الأخيرة باستهداف منشآت الدولة من المجموعات التي تريد أن تعصف بها»، مشدداً على أهمية هذه الخطوة في عودة الانضباط إلى الشارع المصري. ويعطي مثالاً عن المرور الذي بادر بخطوة شبيهة، حين وزع الشباب على الميادين والشوارع لتنظيم حركة المرور، مشيراً إلى أن الدولة تمنح بعض المهمات البسيطة للشباب الصغار الذين لم تسمح لهم الظروف بمتابعة تعليمهم.
من جهة أخرى، يقول الباحث السياسي صلاح لبيب، إن حالة «التلصص البوليسي»، إذا جاز التعبير، بدأت تتنشر في مختلف الأوساط المصرية، ولا سيما لدى الطبقة الوسطى، بعد «ثورة 30 يونيو»، وذلك بعدما أحدث إعلام الدولة ضغطاً مكثفاً على المواطنين، غذّى لديهم شعوراً زائفاً بالخوف على الوطن، وبأن هناك «مؤامرة كونية». ويصف في حديثه إلى «الأخبار» الوضع المنتشر بأنه «كارثي»، ومدفوع من النظام الحاكم، ضد كل من يعاديه أو يبدي رأياً اعتراضياً تجاهه، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن هذا ينذر بتفاقم الأزمة الاقتصادية في بلد يعاني من أزمة في الأساس، ومعدّل البطالة فيه كبير.
كذلك، يوضح لبيب أن المشكلة الحقيقية تكمن في انتشار حالة «الاستخبار الشعبي» التي انتشرت بين الطبقة الوسطى، إذ جنح جزءٌ كبير منها إلى نظام مبارك، الذي كانوا يرون فيه «الدولة القوية» التي تؤمّن بعض مصالحها. ويؤكد أن حالة الحريات متدهورة بسبب عدم ثقة المواطنين ببعضهم بعضاً خوفاً من الوشاية، إذ سيصبح «الكل مخبرين حتى يثبت العكس». لكنه يعود ليتوقع انحسار حالتي الوشاية والتلصص، «بمجرد خسارة النظام الحالي الرهان على حل الأزمات، وأهمها الأزمة الاقتصادية».