تعهد أطراف الحكم في البحرين أمام نائب الأمين العام للأمم المتحدة، فيتوريو جو شباردي في (آذار ـ نيسان 1970) تأمين المواطنة المتساوية للجميع عندما انتبدته الأمم المتحدة في مهمة تقصي الحقائق عن خيارات الشعب في الاستقلال، لكنّ الحكومة البحرينية سرعان ما انقلبت على تعهداتها وحلّت «المجلس الوطني» وطبقت قانون أمن الدولة، لتتوالى الأزمات بعد ذلك وصولاً إلى انتفاضة الكرامة وإفرازها ميثاق «العمل الوطني»، الذي «باركته» الدولة بإجهاض فرصته لإحداث تسوية تاريخية في البلاد عبر دستور «المنحة» الصادر سنة 2002.
خلال كل هذه المراحل الزمنية تجذرت حالة التمييز في البحرين بصورة مؤسساتية، وصارت هذه الحالة تمثل تركة مشروعة للدولة الغنائمية ــ وفق معايير «دولة الفتح القبلية» ــ التي تصنف «الشيعة» من السكان الأصليين كمواطنين من الدرجة الخامسة، وترى أبناء أسرة «آل خليفة» الحاكمة هم المواطنين من الدرجة الأولى فقط، وتتعامل مع مقدرات الدولة على هذا الأساس.
وبينما يصر البحرينيون في كل تحركاتهم المطلبية على المطالبة بالمواطنة المتساوية لكل أبناء الشعب من دون تمييز على أساس العرق أو المذهب (تمكن مراجعة وثائق المعارضة للحل)، فإن الحكومة تدأب على تقسيم المجتمع طائفياً لتشويه صورة الحراك المطلبي والإجهاز على استحقاقات الحل السياسي، الأمر الذي تسبب في صعود الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية الجامعة.

التحولات الزمنية للتمييز: الأرقام تنذر بالأزمة المقبلة
تصف العائلة الحاكمة الشيعة بكلمة «حلايل»، أي إن دمهم ومالهم وعرضهم حلال

في أيلول 2006 صدر تقرير «البندر الشهير» ليكشف عن أكبر فضيحة رسمية في التمييز العرقي والمذهبي تجاه الديموغرافية الدينية من «الشيعة» التي تتجاوز نسبتها 60%، وفق تقرير «لجنة الحريات الدينية الأميركية» سنة 2015، وهو الأمر الذي تسبب في ترحيل كاتب التقرير الدكتور صلاح البندر، الذي كان مستشار وزير شؤون مجلس الوزراء، إلى المملكة المتحدة قسراً.
وسبق أن حذرت «المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات»، في تقرير الشرق الأوسط رقم 40 بتاريخ 6 أيار 2005، بعنوان «التحدي الطائفي في البحرين»، من «كون البحرين مقبلة على أوقات خطيرة إذا لم تتخذ خطوات عاجلة لمعالجة التمييز»، فيما رأى تقرير «تشاتام هاوس»، جين كننمنت، بعنوان «البحرين: ما بعد الجمود 2011»، أن «علاج التمييز مع عناوين أخرى هو أحد عناصر الحل السياسي الناجح».
مضت عشر سنوات على تقرير التمييز الذي أوضح كيف تدار عملية التمييز من أطراف تتصل مباشرة بالديوان الملكي. ومن أبرز ملامح التمييز مشروع التجنيس السياسي الذي تمكنت السلطة به من منح 120 ألف أجنبي الجنسية البحرينية (كاملة الصلاحيات والخدمات المجانية) بما يخالف القانون الوطني والدولي، ما يعني تغيير التركيبة الديموغرافية بما يفوق 17% من نسبة السكان الأصليين خلال تجربتين برلمانيتين للمعارضة.
التمييز تطور من كونه مشروعا إستيراتيجيا للدولة للاستفراد بالقرار السياسي، ليتحول إلى أداة فعالة في خطف حق المواطنة للبحرينيين بعد 2011 في كل المجالات التالية: القضاء، والاقتصاد، والتوظيف، والتعليم الحكومي، والقطاع الطبي، والحريات الأساسية (منها الحقوق المدنية والسياسية)، وسياسة العقاب الجماعي ضد القرى والمناطق الشيعية، وحل «المجلس الإسلامي العلمائي»، والاعتقال والفصل من الأعمال، والقتل خارج إطار القانون للمواطنين على خلفيات مذهبية.

التمييز في السلطات الثلاث: صفر% للمناصب العليا والحساسة

بلغت نسبة البحرينيين «الشيعة» في آخر تشكيلة حكومية صفر % في الوزارات السيادية، و18،18% في الوزارات الخدمية، فيما كان نسبة العائلة الحاكمة 40،9%، فضلاً عن أن أقدم رئيس وزراء في العالم هو خليفة بن سلمان، أحد أفراد العائلة الحاكمة طبعاً. أما في 2014، فبلغت نسبة «الشيعة» في المجلس الوطني 37%، وفي السلطة التنفيذية 28 %، فيما جاءت نسبتهم من التعيينات في المناصب الحكومية 13،5%، وهي أقل بثلاث درجات تقريباً من سنة 2013. وبرغم أن التمييز يطاول المرأة البحرينية عموماً في تعيينات الوظائف العليا (لم تتجاوز نسبة التعيينات 17% في 2014)، فإن نسبة المرأة «الشيعية» لا تتجاوز 3% منها.
أما في السلطة القضائية، وبعيداً عن التعيينات في المحاكم الشرعية، فإن نسبة «الشيعة» في التعيينات كانت 9،7%، وصفراً % في أهم المواقع القيادية العليا، بالإضافة إلى نيابة الجرائم الإرهابية، التي كانت النسبة فيها أيضاً صفراً %. وقد بلغت في 2014 نسبة تعيينات «الشيعة» صفراً % في الوظائف العليا التي تتعلق بالأمن في الوزارات السيادية، كما في وزارة الداخلية والدفاع أو في الحرس الوطني، وكذلك في الخارجية فإن التعيينات استثنت «الشيعة».
قبل عقد الانتخابات النيابية في 2014، أقدمت السلطة على إصدار ثلاثة مراسيم ملكية لإعادة تقسيم الدوائر الانتخابية بما يخالف القانون الوطني والدولي، الأمر الذي تسبب في تذويب نحو 32 ألف صوت للمعارضة في دوائر الموالاة حتى لا تستفيد منها المعارضة، لا في عملية المقاطعة ولا المشاركة. وأدخلت المراسيم نحو 95 ألف مجنس في الدوائر الانتخابية للمعارضة، الذي ينتج 16 مقعداً بدلاً من 18 في البرلمان، ورأت المعارضة آنذاك أن توزيع الدوائر الانتخابية ليس عادلاً بحقها.
ولإظهار سياسية التمييز في توفير الخدمات الإسكانية خلال السنوات الماضية، فإن المقارنة بين محافظتين توصلنا إلى التالي: المحافظة الجنوبية مقسّمة إلى ست دوائر انتخابية، هي محافظة موالية بالكامل للحكم. وبين المحافظة الشمالية التي فيها تسع دوائر: سبع للمعارضة ودائرتان ذات غالبية موالاة، فإن الحكومة لم تنفذ في المحافظة الشمالية سوى سبعة مشاريع إسكانية، وألغت دون مبرر 1318 بيتاً و1188 شقة، فيما نفذّت في المحافظة الجنوبية خمسة مشاريع (993 بيتاً).

الملك: المتهم الأول بصناعة التمييز

كل المعطيات المعلوماتية، والقرارات السياسية، وطريقة إدارة الدولة، وتجربة المعارضة طوال السنوات الماضية، تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أبداً، أن ملك البحرين هو المتهم الأول بصناعة التمييز ضد «الشيعة»، وبأنه على اطلاع مباشر، بل مسؤول أيضاً عما يدور من مخططات تقسيم البلاد علي يد خلية التأزيم، التي ستترك آثارها الخطيرة في مستقبل البحرين. فالهوية الوطنية، ونتيجة قرارات رأس السلطة، سوف تتفكك في سنة 2040، وسيتحول السكان الأصليون من «السنة والشيعة» إلى أقلية في البلاد، والسبب واضح: التجنيس السياسي، الذي تريد به الأقلية السياسية (العائلة الحاكمة)، أن تكرس حالة الاضطهاد الطائفي، وذلك لسجن حق المواطنة في زنزانة التمييز العرقي والمذهبي.
إن ثقافة التمييز التي يكرسها الملك لها جذورها التاريخية مع العائلة الحاكمة؛ فقد كان التعامل مع السكان الأصليين من سكان القرى الشيعة بنظام السخرة. ووفق ما ورد في الوثائق البريطانية، في كتاب «دليل الخليج وعمان ووسط الجزيرة العربية»، يقول (J. G. Lorimer): «مع أن البحارنة (تسمية للشيعة) من حيث العدد هم أقوى طبقة فإنهم لم يكونوا مهمين من الناحية السياسية، وفي الواقع كان وضعهم أحسن قليلاً من وضع العبودية».
لقد كانت هناك مقولة سائدة في توصيف «الشيعة» من قبل العائلة الحاكمة هي «حلايل»، وتعني أن دمهم ومالهم وعرضهم حلال.




التمييز يستهدف البعثات العلمية

شهدت سنة 2015 أعلى مستويات التمييز المذهبي تجاه «الشيعة» لدى وزارة التربية والتعليم في توزيع البعثات الدراسية؛ فقد تعرض 34% من أعلى الطلبة المتفوقين «الشيعة» إلى الحرمان من بين 146 حالة. وجرى حرمان 127 طالبا وطالبة الدخول في البعثات الدراسية من مجمل عدد الطلبة (630) في الأعوام الخمسة الماضية. والجدير بالذكر أن منصب وزير التربية لم تحزه أي شخصية «شيعية» لليوم، بل إن آخر ثلاثة وزراء لها كانوا من خلفية عسكرية.
التمييز يطاول باقي الوظائف في المناصب العليا التالية: رتبة المدير، ورؤساء الأقسام في الوزارة، بالإضافة إلى التعيينات في «جامعة البحرين» (أكبر جامعة)، وعرقلة طلبات الطلبة «الشيعة» الراغبين في الحصول على شهادات الماجستير والدكتوراه فيها.

* حقوقي من البحرين