(1)
ما ألذ مرارة الأيام! ما ألذ مسح يوم من رزنامة انتظار حرية تستطعم عن بعد! خمسة أعوام من الشتات المريع، علّب فيه النظام حدود البحرين التي يريد احتكارها، لتسترق منها عيون مواطن مهاجر خبراً في جريدة أو مشهداً في شاشة. في 24/1/2011 قال «صاحب الأحبار» فلنحدد موعداً لانتفاضتنا نحن أيضاً، وقلت لأصدقائي، دوننا حرية صديقنا المعتقل علي عبدالإمام، أنا مغادر إلى القاهرة، فبسقوط حسني مبارك سيكتب لنا عمرٌ جديد ... وأنهيت الاتصال عبر «سكايب» لأبدأ سيرة وصال مع ثورة تشتهي كل الوطن.

(2)
ما ألذ مرارة الأيام في كل صباح حينما تمسح يوماً من رزنامة انتظار ما تتخيل أنك تعرفه، ثم تعود للتأمل والتساؤل: ما الذي ابتعدتُ عنه في الرابع عشر من شباط، وما الذي اقتربت منه؟ وتسير دون أن تجد لبعدك نقطة بداية عشتها، ولا منتهى تدركه لاقترابك. بداية ألم الإلغاء في بلد يجتهد حاكموه في كتابة سيرة إلغائك كلما تذكروا اعتلائهم العرش في 16 كانون الأول. يتذكرونك بعقدة الفتح التي أغلقت كل أبواب الشراكة، حتى صارت لذة مخيال يوم الاجتماع مع الحرية تفوق عذاب كل يوم من الحرية الأسر المغلف بمواطنة زائفة... يحددها توقيع الملك، ويلغيها غضبه. تكون بحرينياً تارة، ومنزوع المواطنة تارة أخرى. حياً تارةً، وفي تارة أخرى ينتظرك «قصاص» الملك، فلا يكون لك حق إبقاء رأسك على جسدك... تماماً كما لا يكون لك حق التعبير عن رأيك وربما التفكير فيه. بعيداً عن ذلك، ما ألذ مرارة الأيام!

(3)
ما ألذ مرارة الأيام، حينما تمازحك السلطة كل يوم! تفتح أبواب حدودها لمنظري الإرهاب، وخزائنها لجيوبهم، ومواقع نفوذها لتغلغلهم، ثم تكون أنت الإرهابي لأنك عارضت ذلك! وللإرهابيين في الأيام المرة قصص لا تُمل، فمن أجلهم حدد ملك البحرين جلسة 28/7/2013 وحدد أجندة ما سماه «المجلس الوطني» الذي انعقد للمرة الأولى في تاريخ البلاد، وذلك لمواجهة من أيدوا تمرّد المصريين على استئثار «الإخوان المسلمين» بالسلطة. بارك ملك البحرين سقوط «الإخوان»، وتحت بند الإرهاب المشرع في تلك الجلسة، أسقطت الجنسية وحكم علينا غيابياً بالحبس خمس سنين بتهمة الدعوة إلى «تمرد البحرين». ثم ظهر جنود الملك المشاركون في تلك الجلسة مع رفاق سلاحهم من «صقور الشام» يرتدون الزي الأفغاني المعروف الدلالة، ويعودون من جديد تحت جناح الملك، لمواجهتنا نحن ــ الإرهابيين!

(4)
ما ألذ مرارة الأيام، ففيها للسيادة لعبة وخبراء! خبراء السيادة البحرين في أيامنا المُرّة لا يزعجهم مسح عجلات «درع الجزيرة» بمبادئ ولي العهد السبعة التي أعلنها في 13-3-2011 الأرض، خلال 17 ساعة من إعلانها والتقارب بشأنها مع المعارضة، كان جسر الربط مع السعودية يعج بالدبابات والآليات السعودية التي نقلت البلاد إلى فرض حالة الطوارئ والأحكام العرفية، كما أن السيادة في البحرين ــ في نظر خبرائها ــ لا تمسها بسوء قاعدة عسكرية بريطانية هي الأكبر في الشرق الأوسط المزعوم، ولا قاعدة أميركية هي مقر «الأسطول الأميركي الخامس» في المنطقة. سيادتنا الحساسة، في نظر خبرائها، يمسها بيان البرلمان الأوروبي الذي يدين اعتقال مدرس من مدرسته، وزعم السلطات تنفيذه بعملية تفجير، برغم وجوده في دوامة، بحق العناصر «الوطنية» لحفظ الأمن والنظام، راح ضحيته شرطي إماراتي وجرح عنصران آخران من باكستان، وحكم القاضي المصري على المواطن عباس السميع بالإعدام!

(5)
ما ألذ مرارة الأيام في بلادي، من خارج حدود الوطن تزوج الملك بـ«شَيْعَة»، وهو اسم علم يلفظ بخلاف اسم الطائفة المسلمة التي هدم غضب الملك ثمانية وثلاثين مسجداً لها، أحبها الملك فانقلبت لهجة التلفزيون الرسمي إلى البدوية! ودرجت على الشاشة برامج الشعر «النبطي» ورحلات «القنص»! أنجب الملك منها «ناصر» فخلقت له كتيبة «الحرس الملكي» وعلق على صدره وسام زعامتها، بعيداً عن قصص الخيال، يركض ناصر بلباس «السوبر مان» في سباقات سميت رسميا بسباقات «الرجل الحديدي»، وعلى البحريني أن يمارس وطنيته بالتصفيق. يرعى ناصر دوريا هامشيا لكرة القدم في شهر رمضان، فيتفوق موسمه على الدوري العام على سلم أولويات الدولة، لأن ابن رأس الدولة هو الدولة، وعلى ابن مواطن الدولة الاستمتاع بذلك... أو القلق!

(6)
ما ألذ مرارة الأيام في بلادي العظيمة! تعيش سلطة بلادي مرارة الأيام بطريقة مختلفة، لا أمرّ من إعلانات سلطة بلادي. تعلن موازنتها مبنية على نفط سعره 90$ بحصة تقترب من 90% ، فإذا خفضت موازناتها وأعلنت التقشف تعلنها بسعر 60$، ولا تعلن الفشل إذا سقط السعر على أعتاب الـ20$... ويكون على المواطن أن يدفع الفاتورة من موازنات دعم اللحوم والبنزين الذي لا يمثل نصف ما أنفق سنوياً خلال الأعوام الخمسة الماضية على التسلح والعسكرة. تعلن سلطة بلادي الإفلاس ولا تكف عن التسلح! لم تعلن سلطة الحزم في بلادي أن طيارينا يتدربون بتسعة طيارات بريطانية الصنع، وعليهم أن يحاربوا أعداء الملك أو أعداء أصدقائه بطائرات أميركية، ولا تخجل بعدها أن تعلن أن طائرة «إف ــ 16» سقطت بسبب عنترياتها الإعلانية في اليمن. (تملك البحرين أربعة طائرات F16-D) ، لا تعلن سلطة بلادي أن في قواتها النظامية 20 ألف مغترب على الأقل يمنحون الجنسية والرواتب، وتمليكهم المساكن من موازنة الأيام المرّة نفسها.

(7)
ما ألذ مرارة الأيام! تمتعك بألمها وتدهشك بغصصها. يكون عليك أن تختار بين المرارات أقربها إلى قلبك، يمكنك أن تنحني لعاصفة المرارات وتحفظ رأسك على جسدك، وتوقيع الملك على مواطنتك. يمكنك اختيار مرارة الصمت على مرارة الثورة، ولكنك قد تتحول بذاتك إلى مرارة لم تخترها أجيالٌ تمتد بنسبها إليك.

*ناشط ومدون وإعلامي من البحرين